٢٢٠
فالجواب : أن حركة الشمس التي لا تدرك بها القمر مختصة بالشمس فجعلها كالصادرة منها فذكر بصيغة الفعل لأن صيغة الفعل لا تطلق على من لا يصدر منه الفعل فلا يقال : يَخِيط ولا يكون تصدر منه الخِيَاطَةُ وأما حركة القمر فليست مختصةً بكوكب من الكواكب بل الكل فيها مشترك بسبب حركة فَلَكٍ لا يختص بكوكب فالحركة ليس كالصادرة منه فأطلق على اسم الفاعل لأنه لا يستلزم صدور الفعل يقال : فُلاَنٌ خَيَّاطٌ وإن لك يكن يَخِيط.
فإن قيل : قوله :﴿يُغْشِي الْلَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً﴾ [الأعراف : ٥٤] يدل على أن الليل سابق.
فالجواب : أن المراد من الليل ها هنا سلطان الليل وهو القمر ولا يسبق الشمس بالحركة اليَوْمِيَّةِ السريعة والمراد من الليل هاك نفس الليل وكل واحد لما كان في عقب الآخر فكأنه طَالبُهُ.
فإن قيل : قد ذكر ههنا سابق (النهار) وقال هناك يطلبه ولم يقل طالبه.
فالجواب : لما بينا (من) أن المراد في هذه السورة من الليل كواكب الليل وحركتها بحركة الفَلَكِ فكأنها لا حَرَكَةَ لها فلا سبق ولا من شأنها أنها سابقة والمراد هناك نفس الليل والنهار وهما زَمَانَانِ لا قرارَ لهما فهو يطلب حثياً لصدور المنقضي منه.
فإن قيل : ما الحكمة في إطلاق الليل وإرادة سلطانه وهو القمر وماذا يكون لو قال : ولا القمرُ سابق الشَّمس.
فالجواب : لو قال ولا القمر سابق الشمس ما كان يفهم أن الإشارة إلى الحركة اليومية فكان يتوهم المناقض بأن الشمس إذا كانت لا تدرك القمر فالقمر أسرع ظاهراً وإذا قال : ولا القمر سابق يظن أن القمر لا يسبق فليس بأسرع فقال اللَّيْل والنهار ليعمل أن الإشارة إلى الحركة التي بها تتم الدورة في يوم وليلة مرة وأن جميع الكواكب لها طلوع وغروب في اللّيل والنهار.
قوله :﴿وَلاَ الْلَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ﴾ قرأ عمارة بنصب " النَّهَار " حذف التنوين لالتقاء الساكنين.
٢٢١
قال المبرد : سمعته يقرؤها فقلت : ما هذا ؟ فقال : أردت سَابِقٌ - يعني بالتنوين - فخففت.
قوله :﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ أي يَجْرُون.
وهذا يحقق أن لكلِّ طلوع في يوم وليلة ولا يسبق بعضُها بالنسبة إلى هذه الحركة والتنوين في قوله :" كُلُّ " عوض عن الإضافة والمعنى كل واحدٍ.
وإسقاط التنوين للإضافة حتى لا يجتمع التعريف والتنكيرُ في شيءٍ واحد فلما أسقط المضاف إليه لفظاً رد التنوين عليه لفظاً وفي المعنى معرف الإضَافَةِ.
فإن قيل : فهل يختلف الأمر عند الإضافة لفظاً وتركها ؟.
فالجواب : نعم، لأن قول القائل : كل واحد من الناس كذا لا يذهب الفهم إلى غيرهم فيفيد اقتصار الفهم عليه، فإذا قال : كُلّ كذا يدخل في الفهم عمومٌ أكثر من العموم عند الإضافة وهذا كما في :" قَبْل وبَعْد " إذا قلت : أفعلُ قَبْلَ كذا فإذا حذفت المضاف وقلت أفعل قبل أفاد الفعل قبل كُلِّ شَيْءٍ.
فإِنْ قِيلَ : فهل بين قولنا :" كُلٌّ منْهُمْ " وبين :" كُلّهم " وبين " كُلِّ " فرق ؟.
فالجواب : نعم فقولك : كلهم يثبت الأمر للاقتصار عليهم، وقولك : كُلّ منهم يثبت الأمر أولاً للعموم ثم استدركه بالتخصيص فقال : منْهم وقولك : كلّ يثبت الأمر على العموم وتركت عليه فإن قيل : إذا كان " كُلّ " معناه كل واحد منهم والمذكور الشمس والقمر فكيْفَ قال : يَسْبَحُونَ ؟.
فالجواب : أن قوله " كل " للعموم فكأنه أخبر عن كل كوكب في السماء سيَّاراً.
وأيضاً فلفظ " كل " يجوز أن يوحَّد نظراً إلى كون لفظه مُوحِّداً غير مثنى ولا مجموع ويجوز أن يجمع لكونه معناه جمعاً، وأما التثنيه فلا يدل عليه اللفظ ولا المعنى وعلى هذا يحسن أن يقال :" زَيْدٌ وعمرٌو كُلُّ جَاءَ " ولا يقال :(كل) جَاءَا بالتثنية.
وجواب آخراً قوله :﴿وَلاَ الْلَّيْلُ سَابِقُ﴾ فالمراد من الليل الكواكب فقال :" يَسْبَحُونَ ".
فصل الفلك هو الجسم المستدير أو السطح المستدير أو الدائرة لأن أهل اللغة اتفقوا على أن فلكة المغزل سميت فلكة لاستدارتها وفلك الخيمة هي الخشبة المسطحة
٢٢٢


الصفحة التالية
Icon