فاستعمل إنْ مكان " ما " وقيل :" إنْ زَيْدٌ قَائِمٌ " أي ما زيد بقائم.
واستعمل ما في الشرط تقول : مَا تَصْنَعْ أَصْنَعْ والذي يدل على ما ذكرنا أن " ما " النافية تستعمل بحيث لا تستعمل إن (وذلك) لأنك تقول :" مَا إنْ جَلَسَ زَيْدٌ " فتجعل إنْ " صلة " ولا تقول :" إنْ جَلَسَ زَيْدٌ "، بمعنى النفي وبمعنى الشرط تقول : إِمَّا ترين فتجعل " إنْ " أصلاً و " ما " صلة فدلنا هذا على أَنَّ " إنْ " في الشرط أصل و " ما " دخيل فيه و " ما " في النفي بالعَكْسِ.
فصل قوله :﴿إنْ أَنْتُمْ﴾ يفيد ما لا يفيد قوله :﴿أَنْتُمْ فِي ضَلاَلٍ﴾ لأنه يوجب الحصر وأنه ليسُوا في غير الضَّلالِ، ووصف الضلال بالمُبِين أي أنه لظِهوره تبين نفسه أنه ضلال أي في ضلالٍ لا يخفى على أحد أنه في ضَلالَ.
وقوله :" في ضلال " يفيد كونهم مَغْمُورينَ فيه غائصين، فأما قوله في موضع آخر :" عَلَى بَيِّنَةٍ " و " عَلَى هُدى " فهو إشارة إلى كونهم راكبينَ متن الطريق المستقيم قَادِرينَ عليه.
فصل إنما وصفوا المؤمنين بأنهم في ضَلالَ مبين لظنهم أن كلام المؤمنين متاقض ومن يتناقض كلامهُ يكون في غاية الضلال قال ابن الخطيب : ووجه ذلك أنهم قالوا : أنطعم من لو يشاء الله أطعمه وهذا إشارة إلى أن الله إن شاء أن يطعمهم فهو يطعمهم فكان الأمر بإطعامهم أمراً بتحصيل الحاصل وإن لم يشأ إطعامهم لا يقدر أحدٌ على إطعامهم لامتناع وقوع ما لم يشأ فلا قدرة لنا على الإطعام فكيف تأمروننا بالإطعام ؟ ‍! ووجه آخر وهو أنهم قالوا إن أراد الله تجويعهم فلو أطْعَمْنَاهُم يكون ذلك سعياً في إبطال
٢٣٥
فعل الله وأنه لا يجوز وأنتم تقولولن أطعموهم فهو ضلال.
واعلم أنه لم يكن في الضلال إلا هم حيث نظروا إلى المراد ولم ينظروا إلى الطلب والأمر وذلك لأن العبد إذا أمره السِّيدُ بأمر لا ينبغي الإطِّلاَعُ على المقصود الذي لأجهل الذي أمره به مثاله إذا أراد الملك الركوب للهجوم على عَدُوَّه بحيث لا يَطَّلع عليه أحد وقال للعبد : أَحْضِر المركوبَ فلو تطلع واستكشف المقصود الذي لأجله الركوب لنسب إلى أنه يريد أن يطلع عوه على الحَذَرِ منه وكشف سره فالأدب في الطاعة هو اتباع الأمر لا تتبع المراد فاللَّه تعالى إذ(ا) قال : أنفقوا مما رزقكم الله لا يجوز أن يقال : لِمَ لَمْ يطعمهم (الله) مما في خزائنه ؟.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٢٣٢
قوله :﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ﴾ أي القيامة والبعث " إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " وهذا إشارة إلى ما اعتقدوا أن التقوى المأمور بها في قوله :﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُواْ﴾ [يس : ٤٥] والإنفاق المذكور في قوله :﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُواْ﴾ [يس : ٤٥] لا فائدة فيه لأن لا حقيقة له وقولهم :" مَتَى هَذَا الوَعْدُ " أي متى يقع المَوْعُودُ به.

فصل " إنْ " للشرط وهي تستدعي جزاء و " متى " استفهام لا تصلح جواباً فيه فما الجواب ؟.


قيل : هو في صورة الآستفهام وهو في المعنى إنكار كأنهم قالوا : إن كنتم صادقين في قوع الحشر فَقُلُوا متى يكون.
فصل الظاهر أن هذا الخطاب مع الأنبياء لما أنكروا الرسالة قالوا إن كنتم أيها المُدَّعونَ للرسالة صادقين فأخبرونا متى يكون ما تَعِدُونَنَا به.
٢٣٦


الصفحة التالية
Icon