ثم بيّن حال المحسن فقال :﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ اليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ﴾ فقوله :﴿فِي شُغُلٍ﴾ يجوز أن يكون خبراً لـ " إنّ " و " فَاكِهُونَ " خبر ثانٍ وأن يكون " فاكهون " هو
٢٤٣
الخبر و " فِي شُغُلٍ " يتعلق به وأن يكون حالاً، وقرأ الكوفيون وابنُ عامر " شُغُل " بضمتين الباقون بضم سكون وما لغتان للحاجزيين قاله الفراء، ومجاهدٌ وأبو السَّمَّال بفتحتين ويزيد النحويّ وابنُ هُبَيْرَة بفتح وسكون وهما (لغتان) أيضاً والعامة على رفع " فاكهون " على ما تقدم والأعمشُ وطلحةُ " فاكهينَ " نصباً على الحال والجار الخبر.
والعامة أيضاً وأبو حَيْوَة وأبو رجاء وشيبة وقتادة ومجاهد " فكهون " بغير ألف بمعنى طربون فرحون من الفُكَاهِةِ بالضم.
وقيل : الفاكِهُ والفكه بمعنى المتلذذ والمتنعم لأن كلاًّ من الفاكهة والفكاهة مما يُتَلَذَّذُ بِهِ ويتنعم كحاذر وحذر وقرئ " فَكِهِينَ " بالقصر والياء على ما تقدم وفَكهُونَ بالقصر وضم الكاف، يقال : رجل فَكِه وفكُه كرجل ندِس وندُس وحَذِر وحذُر.
فصل اختفوا في الشغل فقال ابن عباس : في افتضاض الأبكار، وقال وكيع بن الجراح : في السماع وقال الكلبي : في شغل عن أهل النار وما هم فيه لا يهمهم أمرهم ولا يذكرونهم.
وقال ابن كيسان في زيارة بعضهم بعضاً.
٢٤٤
وقيل : في ضيافةِ الله فاكوهون.
وقيل : في شغل عن هَوْلِ اليوم بأخذ ما آتاهم الله من الثواب فما عندهم خير من عذاب ولا حساب وقوله " فَاكِهُونَ " متمّمٌ لبيان سلامتهم فإنه لو قال : في شُغُل جاز أن هم في شغل أعظم من التذكر في اليوم وأهواله فإن من يصيبه فتنة عظيمة ثم يعرض عليه أمر من أموره أو يخبر بخُسْران وقع في ماله يقول أنا مشغول عن هذا بأهمَّ منه فقال : فاكهونَ أي شغلوا عنه باللّذة والسُّرُور لا بالوَيْلِ والثُّبُور.
وقال ابن عباس : فاكهون فَرِحُونَ.
قوله :﴿هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ﴾ يجوز في " هم " أن يكون تأكيداً للضمير المستكنِّ في :" فَاكِهُونَ " و " أَزْوَاجُهُمْ " عطف على المستكن، ويجوز أن يكون تأكيداً للضمير المستكنِّ في " شُغُل " إذا جعلناه خبراً و " أزواجهم " عطف عليه (مستكن ويجوز أن أيضاً) كذا ذكره أبو حيان وفيه نظر من حيثُ الفصلُ بين المؤكد والمؤكد بخير " أن "، ونظيره في قولك :" في الدار "، وعلى هذين الوجهين يكون قوله :" مُتَّكِئُونَ " خبراً آخر لـ " إنّ " و " فِي ظِلاَلِ " متعلق به أو حال، و " عَلَى الأَرَائِكِ " متعلق به، ويجوز أن يكون " هم " مبتدأ ومتكئون خبره والجاران على ما تقدم وجوز أبو البقاء أن يكون " فِي ظِلاَلٍ " هو الخبر قال " وعلى الأرائك " مستأنف وهي عبارة موهمة غير الصواب ويرد بذلك أن " مُتَّكِئُونَ " خبر مبتدأ مضمر و " على الأرائك " متعلق به، فهذا وجه استئنافه لا أنه خبر مقدم و " متكئون " مبتدأ مؤخر إذا لا معنى له وقرأ عبد الله " مُتَّكِئِينَ " نصباً على الحال وقرأ الأخوان " في ظُلَلٍ " بضم الظاء والقصر وهو جمع ظُلَّة نحو غُرْفَةٍ وغُرَفٍ، وحُلَّةٍ وحُلَلِ.
وهي عبارة عن الفرش والستور والباقون
٢٤٥
بكسر الظاء والألف جمع ظُلَّةٍ أيضاً كحلَّةٍ وحِلاَل وبُرْمة وَبِرام أو جمع " فِعْلَةٍ " بالكسر إذ يقال : ظُلَّةٌ وظِلَّةٌ بالضمر والكسر، كلُقْحَةٍ ولِقَاحِ إلاَّ أن فِعَالاً لا ينقاس فيها أو جمع " فِعْل " نحو : ذِئْب وذِئَاب ورِيح ورِيَاحٍ.

فصل الأَرَائِكُ هي السرر في الحِجال واحدها أًريكة.


قال ثعلب : لا تكون أريكة (جمع) حتى يكون عَلَيْها حجْلة.
" متكئون " ذَوْ(و) اتّكَاء وهو إشارةإلى الفراغ.
وقوله " هُمْ وأَزْوَاجُهُمْ " إشارة إلى عدم الوحشة ﴿هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ﴾ إشارة إلى دفع جميع حوائجهم وقوله :﴿لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ﴾ إشارة إلى أن لا جوع هناك لأن التفكه لا يكون لدفع ألم الجوع.
قوله :﴿وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ﴾ في " ما " هذه ثلاثة أوجه : موصولة اسمية (أو) نكرة موصوفة والعائد على هذين محذوف (أو) مصدرية و " يَدَّعُونَ " مضارع ادَّعى افْتَعَلَ من دَعَا يَدْعُو ؛ وأُشْربَ التمني قال أبو عبيدة : العرب تقول :" ادَّع عليَّ ما شِئْتَ " أي تَمَنَّ، و " فُلاَنٌ في خَيْر مَا يَدَّعِي " أي ما يتمنى وقال الزجاج : هو من الدعاء أي ما يدعونه أهل الجنة يأتيهم من : دَعوتُ غلاميَ.
فيكون الافتعال بمعنى الفعل كالاحتمال لمعنى الحمل والارتحال بمعنى الرحل.
وقيل : افتعل بمعنى تفاعل أي ما يتداعونه كقولهم : ارْتَمَوْا وَتَرَاموا، و " ما " مبتدأ وفي خبرها وجهان :
٢٤٦


الصفحة التالية
Icon