أي الذي صبح فغنم فآب، وإما على ترتبها في التفاوت من بعض الوجوه كقولك : خذ الأفضل فالأكمل واعمل الأحسن فالأجمل، وإما على ترتب موصوفاتها في ذلك كقوله (صلى الله عليه وسلم) :" رَحِمَ اللَّهُ المُحَلِّقِينَ فَالمُقَصِّرِينَ " فأما هنا فإن وجدت الموصوف كانت للدلالة على ترتب الصفات في التفاضل، فإذا كان الموحد الملائكة فيكون الفضل للصف ثم للزجر، ثم للتلاوة وعلى العكس وإن ثَلَّثْتَ الموصوف فترتب في الفضل، فيكون " الصافات " ذوات فضل والزجرات أفضل (و التاليات أبهر فضلاً أو على العكس يعني بالعكس فيال موضعين أنك ترتقي من أفضل) إلى فاضل إلى مفضول أو تبدأ بالأدنى ثم بالفاضل ثم بالأفضل.
والواو في هذه للقسم، والجواب قوله :﴿إِنَّ إِلَـاهَكُمْ لَوَاحِدٌ﴾.
وقد ذكر الكلام في الواو (و) الثانية والثالثة هي للقسم أو للعطف.
فصل قال ابن عباس والحسن وقتادة : والصَّافَّات صفًّا هم الملائكة في السماء يصفون كصوفوف الخلق في الدنيا للصلاة وقال - عليه (الصلاة و) السلام - :" أَلاَ تَصُفُّونَ تَصُفُّ المَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ " ؟ قُلْنَا : وَكَيْفَ تصفُّ المَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ : يُتمُّونَ الصُّفُوفَ المُقَدَّمة وَيَتَرَاصُّون في الصَّفِّ " وقيل : هم الملائكة تصُفُّ أجْنِحَتَهَا في الهواء واقفة
٢٧٢
حتى يأمر(ها) الله بما يريد، وقيل : هي الطير لقوله تعالى " والطّير صَافَّاتِ " " فالزاجرات زجراً " يعني الملائكة تزجر السحاب وتسوقه، وقال قتادة : هي زواجر القرآن تنهي وتزجر عن القبيح " فالتاليات ذكراً " هم الملائكة يتلون ذكر الله وقيل : هم جماعة قُرَّاء القرآن، وهذا كله قسم، وقيل : فيه إضمار، أي ورَبَّ الصّافّاتِ والزاجرات والتاليات.
فصل قال أبو مسلم الأصفهاني لا يجوز حمل هذه الألفاظ على الملائكة لأنها مُشْعِرَةٌ بالتأنيث والملائكة مبرأون عن هذه الصفة، وأجيب بوجهين : الأول : أن الصافات جمع الجمع فإنه يقال جماعة صافة، ثم يجمع على صافات.
والثاني : أنهم مبرأون عن التأنيث المعنوي وأما التأنيث اللفظي فلا وكيف وهم يسمون بالملائكة مع أن علامة التأنيث حاصلة.
فصل اختلف الناس ههنا في المقسم به على قولين : أحدهما : أن المقسم به خالق هذه الأشياء لِنَهْيِهِ - ﷺ - عن الحلف بغير الله تعالى ولأن الحلف في مثل هذا الموضع تعظيم للمحلوف به، ومثل هذا التعظيم لا يليق إلا بالله تعالى ومما يؤكِّد هذا أنه تعالى صرح به في قوله :﴿وَالسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾ [الشمس : ٥ - ٧] الثاني : أن المقسم به هو هذه الأشياء لظاهر اللفظ فالعدول عنه خلافُ الدليل وأما قوله تعالى :﴿وَمَا بَنَاهَا﴾ فإنه علق لفظ القسم بالسماء ثم عطف عليه القسم بالباء في السماء ولو كان لامراد من القسم بالسماء القسم بمن بنى السماء لزم التَّكرار في موضع واحد وأنه لا يجوز وأيضاً لا يبعد أن تكون الحكمة في قسم الله تعالى بهذه الأشياء التنبيه على شرف ذَوَاتِهَا.
٢٧٣


الصفحة التالية
Icon