وقال أبو البقاء : قرئ شاذا بالنصب وهو سهو من قارئه لأن اسم الفاعل يحذف منه النون وينصب إذا كان فيه الألف واللام، قال شهاب الدين : وليس بسهو لما تقدم، وقرأ أبو السمال أيضاً لذائق بالإفراد والتنوين الْعَذَابَ نصباً وتخريجه.
٢٩٧
على حذف اسم جمع هذه صفته أي إنكم لفريقٌ أو لجمعٌ ذائقٌ ليتطابق الاسم والخبر في الجَمْعِيَّة ثم كأنه قيل : فكيف يليق بالرحيم الكريم المتعالي عن النفع والضر أن يعذب عباده ؟ فأجاب بقوله :﴿وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي " إلا جزاء ما كنتم تعملون ".
قوله :﴿إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ﴾ استثناء منقعطع أي لكن عباد الله المخلصين الموحدين، وقوله :﴿أُوْلَئِكَ لَهُمْ﴾ بيان لحالهم، وقد تقدم في فتح اللام وكسرها من المْخْلَصِينَ قراءتان فمن قرأ بالفتح فالمعنى أن الله تعالى أخلصهم واصطفاهم بفضله.
والكسر هو أنهم أخلصوا الطاعة لله تعالى والرزق المعلوم قيل : بُكْرَةً وعَشِيًّا لقوله :﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً﴾ [مريم : ٦٢] فيكون المراد منه معلوم الوقت وهو مقدار غَدْوَةٍ أو عَشْوَة وإن لم يكن ثم بكرة ولا عشية.
وقيل : ذلك الرزق معلوم الصفة أي مخصوصاً بصفات من يطب طعم ولذة وحسن منظر.
وقيل معناه أنهم القدر الذي يستحقونه بأعمالهم من ثواب الله وقد (بين أنه) تعالى يعطيهم غير ذلك تَفَضُّلاً.
قوله :﴿فَوَاكِهُ﴾ يجوز أن يكون بدلاً من " رزقٍ " وأن يكون خبراً ابتداء مضمر أي ذلك الرزق فَوَاكِهُ وفي الْفَوَاكِهِ قَوْلاَنِ : أحدهما : أنها عبارة عما يؤكل للتلذذ لا للحاجة وأرزاق أهل الجنة كلها فواكه لأنهم مستغنون عن حفظ الصحّة بالأقوات فإن أجسامهم محكومة ومخلوقة للأبد فكل ما يأكلونه فهو على سبيل التلذذ.
والثاني : أن المقصود بذكر الفاكهة التنبيه بالأدنى على الأعلى، لما كانت الفاكهة حاضرة أبداً كان المأكول للغذاء أولى بالحضور.
٢٩٨
قوله :﴿وَهُم مُّكْرَمُونَ﴾ قرأ العامة مُكْرَمُونَ خفيفة الراء و (ابن) مِقْسِم بتشديدها والمعنى وهم مُكَرَّمُونَ بثواب الله في جنات النعيم لما ذكر مأكولهم ذكر مسكنهم وقوله " فِي جَنَّاتِ " يجوز أن يتعلق " بمُكْرَمُونَ " وأن يكون خيراً ثانياً وأن يكون حالاً.
قوله :﴿عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ﴾ العامة على ضم الراء.
وأبو السَّمَّال بفتحها وهي لغة بعض كَلْبٍ، وتميم يفتحون عين " فُعُلٍ " جمعاً إذا كان اسماً مضاعفاً.
وأما الصفة نحو : ذُلُل ففيها خلاف.
والصحيح أنه لا يجوز لأنَّ السماع ورد في الجوامد دون الصفات.
و " عَلَى سُرُور مُتَقَابيلن " حال، ويجوز أن يتعلق " عَلَى سُرُر " بمتقابلين و " يُطَافُ " صفة " لمكرون " أو حال من الضمير في :" متقابلين " أو من الضمير في أحد الجَارِّيْن إذا جعلناه حالاً.
ومعنى متقابلين لا يرى بعضُهم قَقَا بعض، ولما ذكر المأكل والمسكن ذكره بعده صفة المشرب فقال :﴿يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ﴾ والكأس من الزجاج ما دام فيها شراب وإلا فهو قَدَح.
وقد يطلق الكأس على الخمر نفسها وهو مجاز سائغٌ وأنشد : ٤١٩٣ - وَكَأس شَرِبْتُ عَلَى لذَّةٍ
وَأُخْرَى تَدَاوَيْتُ مِنْهَا بِهَا
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٢٩٧
و " مِنْ مَعين " صفة " لكأسٍ " والمعين معناه الخَمر الجارية في الأنهار، أي ظاهرة تراها العيون وتقدم الكلام في مَعِين وعن الأخفش : كل كأس في القرآن فهي
٢٩٩
الخَمْر وقوله :﴿مِنْ مَعِين﴾ أي من شراب مَعِينٍ أو من نَهْرٍ مَعِينٍ.
المَعِينُ مأخوذ من عين الماء أي يخرج من العيون كما يخرج الماء وسمي (مـ)ـعِيناً لظهوره، يقال : عَانَ الماءُ إذا ظهر جارياً، (قاله ثعلب) فهو مَفْعُول من العَيْن نحو : مَبِيع ومَكِيلٍ، وقيل : سمي معيناً لأنه يجري ظاهر العين كا تقدم.
ويجوز أن يكون فعيلاً من المعين وهو الماء الشديد الجري، ومنه أمْعَنَ في الجَرْيِ إذا اشتد فيه.
قوله :﴿بَيْضَاءَ﴾ صفة لكأس وقال أبو حيان : صفة " لكاس " أو " للخمر " قال شهاب الدين : لم يذكر الخمر اللهم إلا أن يعني بالمعين الخمر.
وهو بعيد جداً ويمكن أن يجاب بأن الكاس إنما، سميت كأساً إذا كان فيها الخمر.
وقرأ عبد الله : صَفْرَاءَ وهي مخالفة للسواد، إلا أنه جاء وصفها بهذا اللون وأنشد لبعض المولدين : ٤١٩٤ - صَفْرَاء لاَتَنْزِلُ الأَحْزَانُ سَاحَتَهَا
لَوْ مَسَّهَا حَجَرٌ مَسَّتْهُ سَرَّاءُ
و " لذة " صفة أيضاً وصفت بالمصدر مبالغة كأنها نفس اللذة وعينها كما يقال : فُلاَنٌ جُودٌ وكَرَمٌ إذا أرادوا المبالغة.
وقال الزجاج : أو على حذف المضاف أي ذات لذَّة، أو على تأنيث " لَذَّ " بمعنى لذيذ فيكون وصفاً على " فَعْلِ " كصَعْب يقال : لَذَّ الشَّيءُ يَلَذُّ لَذًّ فهو لَذَيدُ وَلَذٌّ وأنشد : ٤١٩٥ - بِحَدِيثَها اللَّذِّ الَّذِي لَوْ كَلَّمْتْ
أُسْدَ الْفَلاَةِ بِهِ أَتَيْنَ سِرَاعَا
٣٠٠
وقال آخر : ٤١٩٦ - لَذٌّ كَطَعْم الصَّرخَدِيِّ تَرَكْتُهُ


الصفحة التالية
Icon