بالحِلْم، وأيّ حلم أعظم من أنه عرض عليه أبوه الذبح فقال ﴿سَتَجِدُنِى إِن شَآءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ ؟ ‍!.
قوله :﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ﴾ (مَعَهُ " متعلق بمحذوف على سبيل البيان كأن قلائلاً قال : مَعَ (مَنْ) بلغ السعي ؟ فقيل : مع أبيه ولا يجوز تعلقه " ببَلَغَ " ؛ لأنه يقتضي بلوغهما معاً حدّ السعي ؛ ولا يجوز تعلقه بالسعي لأنه صلة المصدر لا تتقدم عليه، فتعين ما تقدم.
قال معناه الزمخشري ومن يتسع في الظرف يجوز تعلقه بالسَّعِي.
فصل قال ابن عباس وقتادة : معنى بلغ السعي أي المشي معه إلى الجبل، قال مجاهد عن ابن عباس : لما شب حتى بلغ سعيه سعي إبراهيم والمعنى أن ينصرف معه ويعينه في علمه قال الكلبي : يعني العمل لله.
وهو قول الحسن ؛ ومقاتل وابن حبان وابن زيد قالوا : هو العبادة واختلفوا في سنه، فقيل : كان ابنَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سنةً، وقيل : كان ابنَ سَبْعِ سِنينَ.
قوله :﴿إِنِّى أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ﴾ قال المفسرون : لما بُشِّر إبراهيم - عليه (الصلاة و) السلام - بالولد قبل أن يولدَ له فقال : هو إذن لله ذبيح، فقيل لإبراهيم : قد نذرَت نذراً فأوف بنذرك فلما أصبح قال يا بُنَيَّ : إنّ أَرَى فِي المَنَام أَنِّي أَذْبَحَكُ، وقيل : رأى في ليلة التروية في منامه كأن قائلاً يقول : إن الله يأمرك بذبح ابنك، فلما أصبح تروى في لك من الصباح إلى الرَّوَاح، أمِنَ الله أو من الشيطان ؟ فلذا سمي يومَ التروية، فلما رأى ذلك أيضاً عرف أنه من الله تعالى فسمي يوم عَرَفَةَ، ثم رأى مثله في الليلة الثالثة فهمَّ بالنحر فسمي يوم النَحْر.
وهو قول أكثر المفسرين.
وهذا يدل على أنه رأى في المنام ما يوجب أن يذبح ابنه في اليقضة، وعلى هذا فتقدير اللفظ رأى في المنام ما يُوجب أَنِّي أذْبَحُكَ.

فصل اختلفوا في الذبيح، فقيل : إِسْحَاق.


وهو قول عمر، وعليِّ، وابن مسعود،
٣٣٠
والعباد بن عبد المطلب، وكعب الأحبار، وقتادة، وسعيد بن جبير، ومسروق، وعكرمة والزهري، والسدي، ومقاتل، وهي رواية عكرمة، وسعيد بن جبير، عن ابن عباس.
وقالوا : وكانت هذه القصة بالشام وقيل : إنه إسماعيل وهو قول ابن عباس وابن عمر، وسعيد بن المسيب، والحسن، والشعبي، ومجاهد، والكلبي، والربيع بن أنس، ومحمد بن كعب القرظي وهي رواية عطاء بن أبي رباح ويُوسف بن (مِهْرَانَ) عن ابن عباس، وكذا القولين رُويا عن رسول الله - ﷺ - واحتجَّ القائلون بأنه إسماعيل بقوله عليه (الصلاة و) والسلام :" " أَنَا ابْنُ الذَّبِيحَيْن " وقال له أعرابي : با ابْنَ الذَّبِيحَيْن فتبسم النبي - ﷺ - فسئل عن ذلك فقال :" إنّ عبد المطلب لما حَفَر بئْر زَمْزَم نَذّرَ إنْ سهل الله أمرها ليذبحن أحَدَ وَلَده، فخرج السَّهم على عبدِ الله فمنعه أخواله وقالوا له : افْد ابنك بمائةٍ من الإبل ".
والذبيح الثاني إسماعيل " ونقل الأصمعيُّ أنه قال : سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح فقال يا أصمعي : أني عَقْلُكَ ؟ ومتى كان إسحاقُ بمكة ؟ وإنما كان إسماعيل بمكةَ وهو الذي بنى البيت مع أبيه والمنحرُ بمكة وقد وصف الله إسماعيل بالصبر دون إسحاق في قوله :﴿وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنبياء : ٨٥] وهو صبره على الذبح، ووصفه أيضاً بصدق الوعد فقال :﴿إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ﴾ [مريم : ٥٤] لأنه وعد أباه من نفسه الصبر على الذبح، ووصفه أيضاً بصدق الوعد فقال :" سَتَجِدُونِي إنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ " وقال قتادة :" فَبَشَّرْنَاهاَ بإِسْحَاق ومَنْ وَرَاءِ إسْحَاقَ يَعْقُوبَ " فكيف تقع البشارة المتقدمة ؟ ! وقال الإمام أحمد : الصحيح أن الذبيح هو إسماعيل وعليه جمهور العلماء من السَّلف والخلق، قال ابن عباس : وذهبت اليهود أنه إسحاق وكَذَبَت اليهودُ، وروى ابن عباس أنه هبط عليه الكبش من بشير فذبح وهو الكبش الذي قربه ابن آدم فتقبل مه فذبحه بمنى وقيل بالمَقَام، وروي : أنه كان وعلاً.
وقيل : كان تَيْساً من الأروى، قال سفيان : لم يزل قرنا الكبش في البيت حتى أُحْرِقَ فاحْتَرَقَا.
وروى ابن عباس : أن الكبش لم يزل معلقاً عند مِيزَاب الكعبة حتى وحش وأرسل رسول الله ﷺ إلى عثمان بن طلحة فقالت امرأة عثمان لم دعاك رسول الله - ﷺ - ؟ قال : إن كنت رأيت قَرْنَي الكبش حين دخلت البيت فنسيت أن أريك أين نحرها فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل الصلي، وهذا يدل على أن الذبيح كان إسماعيل لأنه الذي كان مقيماً بمكة، وإسحاق لا يعلم أنه
٣٣١


الصفحة التالية
Icon