كان قدمها في صغره وهذا ظاهر القرآن لأنه ذكر قصة الذبيح، ثم قال بعده :﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾ [الصافات : ١١٢] قال ابن كثير : من قال : إنه إسحاق فإنما أخذه - والله أعلم - من كعب الأحبار أو من صحف أهل الكتاب وليس في ذلك حديث صحيح عن المعصوم حتى ينزل لأجله ظاهر الكتاب العزيزُ.
قوله :﴿مَاذَا تَرَى ﴾ يجوز أن تكون " ماذا " مركبة مُغَلَّباً فيها الاستفهام فتكون منصوبة وهي وما بعدها في محل نصب " بانظر " لأنها معلّقة له، وأن تكون " ما " استفهامية و " ذا " موصولة فتكون مبتدأ وخبراً.
والجملة معلقة أيضاً وأن تكون ماذا بمعنى الذي فيكون معمولاً لانْظُرْ.
وقرأ الأخوان تُرِي بالضم والكسر، والمعُولانِ محذوفانِ أي تُرِينِ إيَّاهُ من صبْرك واحتمالِك وباقي السبعة تَرَى - بفتحتين - من الرَّأي.
وقرأ الأعمش و الضحاك تُرضى بالضّمِّ والفتح، بمعنى ما يُخَيَّل إليك ويسنح لخاطرك.
قوله :﴿مَا تُؤمَرُ﴾ يجوز أن تكون " ما " بمعنى الذي، والعائد مقدر، أي تُؤمَرهُ والأصل : تُؤْمَرُ به، ولكن حذف الجار مطرد فلم يحذف الجر مطرد فلم يحذف العائد إلا وهو منصوب المحل، فليس حذفه هنا كحذفه (في) قولك : جاء الذي مَرَرْتُ وأن تكون مصدرية، قال الزمخشري : أو أمرك على إضافة المصدر للمفعول وتسمية المأمور به أمراً يعني بقوله المفعول أي الذي لم يُسَمَّ فاعله، إلاّ أن في تقدير المصدرية (بفعل) بمني للمفعلول خلافاً مشهوراً.
٣٣٢
قوله :﴿سَتَجِدُنِى إِن شَآءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ لما تؤمر.
إنما علق المشيئة لله تعالى على سبيل التبرك والتيمن فإنه لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله ولا قولة على طاعة الله إلاَّ بتَوْفِيقِ اللَّهِ.
فصل اختلف الناس في أنَّ - عليه (الصلاة و) السلام - كان مأموراً بهذا وهذا الاختلاف يتفرع عليه مسألة أصولية وهي أنه هل يجوز نسخ الحكم قبل حضور وقت الامْتِثَال، فقال بعضهم : إنه يجوز، وقالت المعتزلة وبعض الشافعية والحنفية : إنه لا يجوز فعلى الأول أنّ الله تعالى أمره بالذبح، ثم إن الله تعالى فسخ هذا التكليف قبل حضور وقته، وعلى الثاني أن الله تعالى ما أمره بذبح ولده بل إنما أمر بمقدّمات الذبح وهي إضجاعه، ووضع السكني على حلقه، والعزم الصحيح في الإتيان بذلك الفعل، ثم إن الله تعالى أخبر عنه بأنه أتى بما أمر به لقوله :﴿يا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَآ﴾ فدل على أنه تعالى إنما أمره بمقدمات الذبح لا بنفس الذبح.
وايضاً فإن الذبح عبارة عن قطع الحلقوم، فلعل إبراهيم - عليه (الصلاة و) السلام - قطع الحُلْقُومَ إلا أنه كلما قطع جزءاً أعاد الله تأليفه ولهذا السبب لم يحصل الموت.
وأيضاً فإنه تعالى لو أمر شخصاً معيناً بإيقاع فعلٍ معين في وقت معين فهذا يدل على أن إيقاع ذلك الفعل في ذلك الوقت حسن فلو حصل النهي في عقيب ذلك الأمر لزم أحد أمرين إما أن يكون عالماً بحال ذلك الفعل فيلزم أن يقال : إنه أمر بالقبيح أو نهى عن الحسن، وإن لم يكن عالماً به لزم جهل الله (تعالى) وأنه محال، والجواب عن الأول أنه تعالى إنما أمره بالذَّبح لظاهر الآية واما قولهم كلما قطع إبراهيم عليه (الصلاة و) السلام جزءاً أعاد الله تأليفه فهذا باطل لأن إبراهيم عليه (الصلاة و) السلام لو أتى بكل ما أمر به لما احتاج إلى الفداء وحيث احتاج إليه علمنا أنه لم يأت بكل ما أمر به، وأما قولهم : يلزم إما الأمر بالقبيح وإما الجهل فنقول : هذا بناء على أن الله لا يَأمر إلا بما يكون حسناً في ذاته ولا يَنْهَى إلا عما يكون قبيحاً في ذاته فذلك مبني على تحسين العقل وتقبيحه.
وهو باطل فإن سَلَّمْنَا ذلك فَلِمَ (ى) يجوز أن يكون الأمر بالشيء تارةً حسناً لكون المأمور به حسناً في ذلك الوقت لمصلحةٍ من المصالح وإن لم يكن المأمور به حسناً كما إذا أراد السيد اختبار طاعة العبد فيقول له : افعل الفعل الفُلاَنِيّ في يوم الجُمْعَة ويكون ذلك الفعل شاقّاً ويكون مقصود السيد ليس أن يأيت العبد بذلك الفعل بل أن يُوَطن العبد نفسه على الانقياد
٣٣٣


الصفحة التالية
Icon