والطاعة ثم إن السيد علم منه توطين نفسه على الطاعة فقد يزيد (الألم عنه) بذلك التكليف فكذا ههنا.
فصل احتجوا بهذه الآية على أنه تعالى قد يأمر بما لا يريد وقوعه، لأنه تعالى لو أراد وقوعه لوقع الذبح لا محالة.
فصل في الحكمة في ورود هذا التكليف في النوم لا في اليقضة وذلك من وجوه : الأول : أن هذا التكليف في نهاية المشقة على الذابح والمذبوح فورد أولاً في النوم حتى يصير ذلك كالمفيد لورُود هذا التكليف الشاقّ، ثم يتأكد ذلك بأحوال اليقضة لكيلا يهجم هذا التكليف الشاق على النفس دفعة واحد بل على التدريج.
الثاني : أن الله تعالى جَعَلَ رؤيا الأنبياء - عليهم (الصلاة و) السلام - حقاً، قال تعالى :﴿لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ﴾ [الفتح : ٢٧] وقال عن يوسف :﴿إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ [يوسف : ٤] وقول إبراهيم :" إنِّي أَرَى فِي المَنَام أَنِّي أَذْبَحُكَ ".
والمقصود من هذا تقوية الدلالة على كونهم صادقين فإذا تظاهرت الحالتان على الصدق دل ذلك نهاية كونهم محقين في كل الأحوال.
فصل والحكمة في مشاورة الابن في هذا الأمر ليظهر له صبره في طاعة الله فيكون فيه قوة عَيْن لإبراهيم حيث يراه قد بلغ في الحكمة إلى هذا الحدِّ العظيم في الصبر على أشد المكاره إلى هذه الدرجة العالية ويحصل للابن الثوابُ العظيمُ في الآخرة والثناء الحَسَن في الدُّنْيَا.
قوله :﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا﴾ في جوابها ثلاثة أوجه : أظهرهما : أنه محذوف أي ذَادَتْهُ المَلاَئِكَةُ أو ظَهَرَ صَبْرُهُمَا، أو أجزلنا لهما أجرهما وقدره بعضهم : بعد الرؤيا ؛ أي كان ما كان مما يَنْطِقُ به الحال والوصف مما لا يدرك كُنْهُهُ ونقل ابن عطية : أن التقدير فَلَما أسْلَمَا أسْلَمَا وَتَلَّهُ كقوله :
٣٣٤
٤٢١٩ - فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَةَ الحَيِّ وَانْتَحَى
بِنَا بَطْنُ خبْتٍ ذِي قِفَافِ عَقَنْقَل
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٣٢٩
أي فلما أجزنا أجزنا وانتحى ويُعْزَى هذا لسيبويه وشيخه الخلِيلِ وفيه نظَر من حيث اتخاذ الفعلين الجَاريَيْنِ مَجْرَى الشَّرْط والجواب، إلا أنْ يُقَال : جعل التغاير في الآية بالعطف على الفعل وفي البيت بعمل الثاني في " ساحة " وبالعطف عليه أيضاً، والظاهر أن مثل هذا لا يكفي في التغاير.
الثاني : أنه " وَتَلَّهُ لِلْجَبِين " والواو زائدة وهو قول الكوفيين والأخفش.
والثالث : أنه " وَنَادَيْنَاهُ " والواو زائدة أيضاً كقوله :﴿وَأَجْمَعُوا ااْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ﴾ [يوسف : ١٥] فنودي من الجبل أن يا إبراهيم قَدْ صَدَّقْت الرؤيا.
تَمَّ الكلام هنا.
ثم ابتدأ : إنَّ كَذَلِكَ (نَجْزِي المُحْسِنِينَ) وقرأ عَلِيُّ وعبدُ الله وابنُ عباس سلّما وقرئ : اسْتَسْلَمَا " وتله " أي صرعه وأضْجَعَهُ على شِقِّه، وقيل : هو الرمي بقوة وأصله من رمى به على التلِّ وهو المكان المرتفع أو من التَّليل وهو العُنُق، أي رماه على عُنُقِهِ، ثم قيل لكُلّ إسقاط وإن لم يكن على تَلِّ ولا عنق والتَّلُّ الرِّيح الذي يُتَلُّ به،
٣٣٥