قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ﴾ أنعمنا عليهما بالنبوة ﴿وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾ الذي كانوا فيه من استعباد فرعون إياهم.
(قوله :" وَنَصَرْنَاهُمْ " قيل : الضمير يعود على " موسى وهارون قومهما "، وقيل : عائد على الاثنين بلفظ الجمع تعظيماً كقوله : ٤٢٢٠ - فَإنْ شِئْتُ حَرَّمْتُ النِّسَاءَ سوَاكُمُ
......................
﴿يا أيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ﴾ [الطلاق : ١].
قوله :﴿فَكَانُواْ هُمُ﴾ يجوز في " هم " أن تكون تأكيداً، وأن تكون بدلاً، وأن تكون فصلاً، وهو الأظهر.
فصل المعنى : فكانوا هم الغلبين على القِبطِ في كُلِّ الأَحْوَال، أما في أول الأمر فظهور الحجة، وما في آخر الأمر فبالدولة والرفعة ﴿وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ﴾ المتنير المشتمل على جميع العلوم المحتاج إليها في مصالح الدين والدنيا كما قال تعالى :﴿إِنَّآ أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ﴾ [المائدة : ٤٤] ﴿وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ دللناهما
٣٣٨
على طريق الحق عقلاً وسمعاً ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخِرِين﴾ تقدم الكلام عليه في آخر القصة.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٣٣٨
قوله :﴿وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ قرأ العامة إلياس بهمزة مكسورة همزة قطع، وابن ذكوان بوصلها، ولم ينقلها عنه أبو حيان بل نقلها عن جماعةٍ غيره، ووجه القراءتين أنه اسم أعجمي تلاعبت به العرب فقطعت همزته تارة وصلتها أخرى، وقالوا فيه إلياسين كجبرائين، وقيلك تحتمل قراءة الوصل أن يكون اسمه ياسين ثم دخلت عليه " أل " المعرفة كما دخلت على " يَسَعَ " ؛ وقد تقدم وإلياسُ هذا قيلك ابن (إِلـ) ياسين المذكرو بعد ولد هارون أخي موسى، وقال ابن عباس هو ابن عم اليَسَعَ وقال ابن إسْحَاقَ : هو الياس بن بشير بن فِنْحَاص بن العيران بن هارون بن عمران، ووري عن عبد الله بن مسعود قال : إلياس هو إدريس وفي مصحفه " وَإنَّ إِدْريس لَمِنَ المُرْسَلِينَ " وبها قرأ عبد الله والأعمش وابن وثاب، وهذا قول عكرمة، وقرئ إدْرَاسِـ(ـيل) وإبراهيم وإبراهام، وفي مصحف أبي قراءته وإن أَيلِيسَ بهمزة مكسورة ثم ياء ساكنة بنقطتين من تحت ثم لام مكسورة ثم ياء بنقطتين من تحت ساكنة، ثم سين مفتوحة مهملة.
قوله :﴿إذ قال﴾ ظرف لقوله " لَمِنَ المُرْسَلِينَ " والتقدير : اذكر يا محمد لقومك إذ قال
٣٣٩
لقومه : أَلاَ تَتَّقُونَ أي لا تخافون الله ولما خوفهم على سبيل الاحتمال ذكر ما هو السبب لذلك التخويف فقال :﴿أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ﴾.
قوله :﴿بَعْلاً﴾ القراء على تنوينه منصوباً وهو الربّ بلغة اليمن سمع ابن عباس رجلاً منهم يُنْشِد ضَالَّةً فقال آخر : أنا بَعْلُها، فقال : الله أكبر وتلا الآية ويقال : مَنْ بَغْلُ هذه الدار ؟ أي مَنْ رَبُّها ؟ وسمي الزوج بعلاً لهذا المعنى، قال تعالى :﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾ [البقرة : ٢٢٨]، وقال :﴿وَهَـاذَا بَعْلِي شَيْخاً﴾ [هود : ٧٢] فعلى هذا التقدير : المعنى أتعبدون بعض البعول وتتركون عبادة الله تعالى وقيل : هو علم لصنَم بعينه، وقيل : هو علم لامرأة بعينها أتتهم بضلالٍ فاتبعوها ويؤده قراءة من قرأ :" بَعْلاَء " بزنة حمراء.
قوله :﴿وَتَذَرُونَ﴾ يجوز أن يكون حالاً، على إضمار مبتدأ، وأن يكون عطفاً على " تَدْعُونَ " فيكون داخلاً في حيِّز الإنكار.
قوله :﴿اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ﴾ قرأ الأخَوَانِ بنصب الثلاثة من ثلاثة أوجه : النصب على المدح أو البدل أو البيان إن قلنا : إنَّ إضافة " أفعل " إضافة محضة، والباقون بالرفع إمَّا على أنه خبر ابتداء مضمر أي هو الله، أو على أن الجلالة مبتدأ وما بعده الخبر روي عن حمزة أنه كان إذا وصل نصب، وإذا وقَفَ رفع.
وهو حَسَنٌ جداً وفيه جمع بين الرِّوَايَتَيْنِ.
٣٤٠