فصل قال المفسرون : لما قَبَضَ الله حِزْقِيلَ عليه (الصلاة و) السلام - عَظُمَت الأحداثُ في بني إسرائيل وظهر فيهم الفساد والشك وعبدوا الأوثان من دون الله - عز وجل - فبعث الله إليهم إلياس نبيُّا، وكانت الأنبياء من بني إسرائيلن يبعثون من بعد موسى بتجديد ما نَسُوا من التوراة وبنو إسرائيل كانوا متفرقين في أرض الشام، وسبب ذلك أن يُوشَع بْن نُون لما فتح الشام بوّأها بني إسرائيل وقسمها بينهم فأحل سبطاً منهم ببعلبك ونواحيها وهم السبط الذين كان من هم إلياس فبعثه الله إليهم نبياً وعليهم يومئذ ملك يقال له أحب قد أضلّ قومه وأجبرهم على عبادة الأصنام وأن يعبد هو وقومه صنماً يقال له بَعْل وكان طوله عشرينَ ذارعاً وله أربعةُ أوجه فجعل إلياس يدعوهم إلى الله - عَزَّ وَجَلَ - وهم لا يسمعون إلى ما كان من الملك فإنه صدقه وآمن به ثم ذكروا قصة طويلة وذكروا في آخرها ان إلياس رفع إلى السماء وكساه الله الرِّيش وقطع عنه لِذَّة المطعم والمشرب فكان إنسيًّا ملكياً أرضياً سمائياً، قال ابن أبي دُؤَادَ : إنَّ الخضر وإلياسَ يصومان شهر رمضان ببيت المقدس ويوافيان الموسم في كل عام.
وقيل : إنَّ إلياس وكَل بالفيفي الخَضْرَ وكّل بالعمار.
ثُمَّ قال تعالى :﴿فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ﴾ أي لمحضرون النار غداً ﴿إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ من قومه الذين أوتوا بالتوحيد الخالص فإنّهم محضرون ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ﴾.
قوله :﴿إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ استثناء من فاعل " فكذبوه " وفيه دلالة على أن في قومه من لم يكذبه فلذلك استثنوا ولا يجوز أن يكونوا مُسْتَثْنِيْنَ من ضمير " لَمحْضَرُونَ " ؛ لأنه يلزم أن يكونوا مُنْدَرِجِينَ فيمن كذب لكنهم لم يحضروا لكونهم عباد الله المخلصين.
وهو بين الفساد (و) لا يقال : هو مُسْتَثْنًى منه استثناء منقطعاً ؛ لأنه يصير المعنى لكن عباد الله المخلصين من غير هؤلاء لم يحضرُوا.
ولا حاجة إلى هذا بوجه إذ به يَفْسُد نَظْمُ الكَلاَمِ.
قوله تعالى :" على إلياسين " قرأن نافع وابن عامر " آلِ يَاسِينَ " بإضافة " آل " - بمعنى الأهل - إلى ياسين والباقون بكسر الهمزة وسكون اللام موصولة بيَاسِين ؛ كأنه جمع
٣٤١
إلياس جمع سَلاَمَةٍ، فأما الأولى فإنه أراد بالآل إلياسَ ولدَ يَاسِين كما تقدم وأصحابَه، وقيل : المراد بياسين هذا إلياس المتقدم فيكون له اسمان مثل إسماعيل وإسماعين وميكائل وميكائين، وآلُهُ : رَهْطُه وقومه المؤمنون، وقيل : المرد بياسين، محمد بن عبد الله - ﷺ - وقيل : المراد بياسين اسم القرآن كأنه قيل سلام على من آمن بكتاب الله الذي هو يَاسِينُ.
وأما القراءة الثانية، فقيل : هي جمع إلْيَاس المتقدم وجمع باعتبار أصحابه (كـ)المَهَالِبَةِ والأشَاعِثَةِ في المُهَلَّبِ وَبِنِيهِ والأَشْعَث وقَوْمِهِ.
وهو في الأصل جمع المنسوب إلى إلياس والأصل إلياسي كَأَشْعرِي، ثم استثقل تضعيفها فحذفت إحدى يائي النسب، فلما جمع جمع سلامة التقى ساكنان إحدى اليائين(و) ياء الجمع فحذفت أولاهما لالتقاء الساكين فصار الياسين كما ترى ومثله الأَشْعَرُونَ والخُبَيْبُونَ، قال : ٤٢٢١ - قَدْنِي مِنْ نَصْرِ الخُبَيْبَيْنِ قَدِ(ي)
...............
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٣٣٩
وقد تقدم طَرَفٌ من هذا آخر الشعراء عند قوله :﴿الأَعْجَمِينَ﴾ [الشعراء : ١٩٨] إلاَّ أنَّ الزمخشري قد رد هذا بأنه لو كان على ما ذكر لوجب تعريفه بأل، فكان يقال على الإِلْياسِين.
٣٤٢
قال شهاب الدين : لأنه متى جمع العلم جمع سلامة أو ثنى لزمته الألف واللام لأنه تزول علميته فيقال : الزَّيْدَان، والزَّيْدُون، والزَّينْبَاتُ، ولا يلتفت إلى قولهم : جمَاديَان وعمايتان عَلَمَيْ شَهْرَيْنِ، وَجَبَلَيْنِ لندورهما وقرأ الحسنُ وأبو رجاء على الياسِينَ بوصول الهمزة لأنه يجمع الياسين وقومه المنسوبين إليه بالطريق المذكورة.
وهذه واضحة لوجود " الـ " المعرفة كالزَّيْدِينَ.
وقرأ عبد الله على إدْراسين لأنه قرأ في الأول : وإن إدريس، وقرأ أبي علي إيليسين لأنه قرأ في الأول وإن إيليسَ كما تقدم عنه، وهاتان القراءتان تدلاّن على أنّ " الياسين " جمع إلياس.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٣٣٩
قوله تعالى :﴿وَإِنَّ لُوطاً لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ تقدم الكلام على نظيره، وقوله :﴿مُّصْبِحِينَ﴾ حال، وهو من أصْبَحَ التامة أي داخلين في الصَّبَاح، ومنه : ٤٢٢٢ - إذَا سَمِعْتَ بِسُرَى القَيْـ
ـنِ فَاعْلَمْ بأَنَّه مُصْبِح