أي مقيم في الصباح، وتقدم ذلك في سورة الروم، و " بِاللَّيْلِ " عطف على الجارِّ قَبْلَها، أي ملتبسين بالليل، والمعنى أن أولئك القوم كانوا يسافرون إلى الشام، والمسافر في أكثر الأمر إنما يَمْشِي في الليل أو في النهار فلهذا السبب عبر تعالى عن هذهين الوقتين ثم قال :﴿وَبِالْلَّيْلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ أي ليس فِيكُمْ عقول تَعْتَبُون بها قوله :﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ قرئ بضم النون وكسرها، قال الزمخشري، قال ابن الخطيب : وإنَّما صارت هذه القصة آخر القصص لأنه لم يصبر على أذى قومه، قال
٣٤٣
المفسرون : بَعَثَ الله تعالى يُونسَ عليه (الصلاة و) السلام إلى أرض نينَوى من أرض الموصل فدعاهم إلى الله - عز وجل - فكذبوه وتمادوا عليه على كفرهم فلما طال ذلك عليه خرج من بين اظهرهم وواعدهم حلول العذاب بعد ثلاث كما سياتي.
قوله :﴿إِذْ أَبَقَ﴾ (ظرف للمُرْسَلِين، أي هو من المرسلين، حتى في هذه الحالة و " أَبَقَ " هرب يقال : أَبَقَ العَبْدُ يأبق إِبَاقاً فهو آبِقٌ و) الجمع إباق كضِرَاب، وفيه لغة ثانية أَبِقَ بالكسر يَأْبَقُ بالفتح وتَأَبَّقَ الرجلُ تشبه به في الاستتار، وقول الشاعر : ٤٢٢٣ -.............
(وَ) أَحْكَمَتْ حَكَمَاتِ القِدِّ وَالأَبَقَا
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٣٤٣
قيل : هو القِتب.
(قوله) " فَسَاهَمَ " أي فغالبهم في المساهمة وهي الاقْتراع، وأصله (أن) يخرج السهم على من غلب " فَكَانَ مِنَ المُدْحَضِينَ " أي المغلوبين، يقال أدْحَضَ الله حُجَّتَهُ فَدَحِضَتْ أي أزالها فزالت وأصل الكلمة من الدَّحْضِ وهو الزّلق يقال : دَحِضَتْ رِجْلُ البعير إذا زَلِقَتْ.
فصل قال ابن عباس ووهب : كان يونُس وعد قومه العذاب فلما تأخر عنهم خرج كالمتشرِّد منهم فقصد البحر فركب السفينة فاحتبست السفينة فقال الملاحون : ههنا عبد أَبَق من سيده فاقترعوا فوقعة القرعة على يونس فاقترعوا ثلاثاً فوقعت على يونس فقال يونس : أنا الآبق وزَجَّ نَفْسَهَ في الماء.
قوله :﴿فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ﴾ المليم الذي أتى بما يلام عليه قال :
٣٤٤
٤٢٢٤ - وَكَمْ مِنْ مُليمٍ لَمْ يُصَبْ بمَلاَمَةٍ
ومُشْبَعٍ بالذَّنْبِ لَيْسَ لَهُ ذنْبُ
يقال : ألاَمَ فلانٌ أي فعل ما يلام عليه، وقوله ﴿وَهُو مُلِيمٌ﴾ حال.
وقرئ " مَلِيمٌ " بفتح الميم من لاَمَ يَلُومُ وهي شاذة جداً، إذا كان قياسها " مَلُومٌ " ؛ لأنها من ذوات الواو كَمقُولٍ ومَصُوبٍ.
قيل : ولكن أخذت من ليم على كذا مبنياً للمفعول ومثله في ذلك : شِيب الشيءُ فهوم مَشيبٌ ودُعِيَ فهو مُدْعِيٌّ والقياس مَشُوبٌ وَمدعوٌّ لأنهما من يَشوب ويَدْعُو.
فصل روى ابن عباس أن يونس - عليه (الصلاة و) السلام - كان يسكن مع قومه فِلَسْطِينَ فَغَزَاهُمْ ملكٌ وسَبَى منهم تسعة أسباط ونصف وبقي سبطان ونصف وكان قد أوحي إلى بني إسرائيل إذا أسركم عدوّكم (أ) وأصابتكم مصبة فادعوني أستجب لكم فلما نسوا ذلك وأسروا أوحى الله تعالى بعد حين إلى نبيٍّ من أنبيائهم أنْ اذْهَبْ ألى ملك هؤلاء الأقوام وقل لهم يبعث إلى بني إسرائيل نبياً اختار يُونُسَ - عليه (الصلاة و) السلام - لقوته وأمانته، قال يونس : الله أمرك بهذا ؟ قال : لا ولكن امرت أن أبْعَثُ قوياً أميناً وأنت كذلك فقال يونس : وفي بني إسرائيل من هو أقوى مني فلم لا تبعه ؟ فألح الملك عليه فغضب يونُس منه وخرج حتى أتى بَحْر الروم فوجد سفينةً مشحونةً فحملوه فيها، فلما أشرف على لُدَّة البحر أشرفوا عل الغرق.
فقال الملاحون إن فيكم عاصايً وإلاّ لم يحصل في السفية ما نراه وقال خيرٌ من غَرَقِ الكل فخرج من بينهم يونس فقال يا هؤلاء : أنا العاصي وتلفّف في كساء ورمى بنفسه فالتقمه الحُوتُ وأوحى الله إلى الحوت : لا تكسر منه عظماً ولا تقطَعْ له وصلاً ثم إن السمكة خرجت
٣٤٥