وأما مع عدم الواو فيحتمل أن يكون جمعاً (أيضاً) وإنما حذفت الواو خطًّا كما حذفت لفظاً وكثيراً ما يفعلون هذا يُسْقِطُونَ في الخطِّ ما يَسْقُطُ في اللفظ، ومنه ﴿يَقُصُّ الْحَقَّ﴾ [الأنعام : ٥٧] في قراءة من قرأ بالضد المعجمية ورسم بغير ياء، وكذلك :﴿وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ﴾ [المائدة : ٣] ويحتمل أن يكون مفرداً وحقه على هذا كسر اللام فقط لأنه عين منقوص وعين المنقوص مكسورة أبداً وحذفت اللام - وهي الياء لالتقاء الساكنين نحو : هَذَا قَاضِ الْبَلَدِ، وقد ذكروا فيه توجيهين : أحدهما : أنه مقلوب إذ الأصل صَالِي ثم قدّموا اللام إلى موضع العين، فقوع الإعراب على العَيْنِ ثم حذفت لام الكملة بعد القلب فصار اللفظ كما ترى ووزنه على هذا فَاعٍ، فيقال على هذا : جَاءَ صَالٌ ورَأَيْتُ صالاً، ومَرَرْتُ بِصَالٍ فيصير في اللفظ كقولك : هَذَا بابٌ ورأيتُ باباً، ومررت ببابٍ ونظيره في مجرد القلب، شاكٍ ولاثٍ في شَائِكٍ ولائثٍ، ولكن شائك ولائث قبل القلب صحيحان فصارا به متعلين مقنوصين بخلاف صَالِي فإنه قبل القلب كان متعلاً منقوصاً فصار به صحيحاً.
والثاني : أن اللام حذفت استثقالاً من غير قلب، وهذا عندي أسهل مما قبله وقدر رأيناهم يَتَنَاسَوْنَ اللام المحذوفة ويجعلون الإعراب على العين، وقد قرئ :﴿وَلَهُ الْجَوَارِ﴾ [الرحمن : ٢٤] برفع الراء " وَجَنى الْجَنَّتَيْنِ دَانٌ " برفع النون تشبيهاً بجَناحٍ وجَانٍّ، وقالوا : ما بَالَيْتُ بِهِ بَالَةً، والأصل بَالِيَةً، كعافيةٍ وقد تقدم طَرَفٌ من هذا عند قوله :﴿وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ [الأعراف : ٤١] فيمن قرأه برفع الشين.
٣٥٥
فصل قال المفسرون : المعنى " فإنكم " تقولون لأهل مكة " وما تعبدون " من الأصنام " ما أنتم عليه " ما تعبدون " بفاتنين " بمُضِلِّينَ أحداً إلا من هو صال الجحيم أي من قدَّر الله أنه سيدخل النار، ومن سبق له في علم الله الشقاوة، واعمل أنه لما ذكر الدلائل على فساد مذاهب الكفار أتبعه بما ينبه على أن هؤلاء الكفار لا يقدِرون على إضلال أحد إلا إذا كان قد سبق حكم الله في حقه بالعذاب والوقوع في النار.
وقد احتج أهل السنة بهذه الآية على أنه لا تأثير لإيحاء الشيطان ووسوسته وإنما المؤثر قضاءُ الله وقدَرُهُ.
قوله :﴿وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ﴾ فيه وجهان : أحدهما : أن " منا " صفة لموصوف محذوف فهو مبتدأ والخبر الجملة من قوله :﴿إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ﴾ تقديره : ما أحدٌ مِنَّا إلاَّ له مقام، وحَذْفُ المبتدأ مع " مِنْ جَيِّدٌ فصيحٌ.
والثاني : أن المبتدأ محذوف أيضاً و " إلاَّ لَهُ مَقَامٌ " صفة حذف موصوفها والخبر على هذا هو الجار المتقدم والتقدير :" وما منَّا أحدٌ إلاَّ لَهُ مَقَامٌ " قال الزمخشري : حذف الموصوف وأقام الصِّفَةَ مُقَامَهُ كقوله : ٤٢٢٨ - أَنَا ابْنُ جَلاَ وَطَلاَّعُ الثَّنَايَا
.....................
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٣٥٣
وقوله :
٤٢٢٩ - يَرْمِي بِكَفّي كَانَ مِنْ أرْمى البَشَر
ورده أبو حيان فقال :" ليس هذا من حذف الموصوف وإقامة الصفة مُقَامَهُ، لأن
٣٥٦
المحذوف مبتدأ و " إلاَّ لَهُ مَقَامٌ " خبره ولأنه خبره ولأنه لا ينعقد كَلاَمٌ من قوله :" وَمَا مِنَّا أَحَدٌ "، وقوله :" إلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ " محط الفائدة وإن تخيل أن " له مقام معلوم " في موضع الصفة فقد نَصُّوا على أنَّ " إلاَّ " لا تكون صفته إذا حذف موصوفها وأنها فارقت " غَيْراً " إذا كانت صفة في ذلك لِتَمَكُّنِ " غَيْرٍ " في الوصف وعدم تمكن " إلاَّ " فيه ؛ وجعل ذلك كقوله :" أَنَا اابْنُ جَلاَ " أي أنا ابن رَجُلٍ جَلا، و " بكفى كان " أي رَجُلٍ كان فقد عده النَّحويُّونَ من أقبح الضرائر، حيث حذف الموصوف والصفة جملة لم تيقدمها مِنْ بِخلاف قوله :
٤٢٣٠ - " مِنَّا ظَعَنَ وَمِنَّا أَقَامَ "


الصفحة التالية
Icon