قوله :﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ إضراب انتقال من قصةٍ إلى أخرى.
وقرأ الكسائي - في رواية سَوْرَةَ - وحماد بن الزِّبرقَان وأبو جعفر وَالجَحْدَريّ : في غَرَّة بالغين المعجمة والراء وقد نقل أن حَمَّاداً الراوية قرأها كذلك تصحيفاً فلما رُدّت عليه قال : ما ظننت أن الكافرين في عِزّةٍ.
وهو وَهَمٌ منه، لأن العزة المشار إليها حمية الجاهلية.
والتنكير في (عزة وشقاق) دلالة على شدّتهما وتفاقمهما.
فصل قالت المعتزلة دل قوله :(ذِي الذّكْر) على أنه مُحْدَث، ويؤيده قوله :﴿وَهَـاذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ﴾ [الأنبياء : ٥٠] ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ﴾ [يس : ٦٩] والجواب : أنا نصرف دليلكم إلى ما نقرأه نحن به.
فصل قال القُتَيْبيُّ : بل لتدارك كلام ونفي آخر، ومجاز الآية أن الله أقسم بصاد والقرآن ذي الذكر أن الذين كفروا من أهل مكة في عزة وحَمِيَّة جاهلية وتَكَبُّر عن الحق وشِقَاق خلاف وعداوة لمحمد - ﷺ - وقال مجاهد : في عزة وتغابن.
قوله :﴿كَمْ أَهْلَكْنَا﴾ (كم) مفعول " أَهْلَكْنَا " و " مِنْ قَرْنٍ " تَمْييزٌ، و " مِنْ قَبْلِهِمْ " لابتداء الغاية والمعنى كم أهلكنا من قبلهم من قرن يعني من الأمم الخالية فنادوا استغاثوا عند نزول العذاب وحلول النِّقْمَة.
وقيل : نادوا بالإيمان والتوبة عند معاينة العذاب.
قوله :﴿وَّلاَتَ حِينَ﴾ هذه الجملة في محل نصب على الحل من فاعل " نَادَوْا " أي استغاثوا والحال أنه مَهْرَبَ ولا مَنْجِى.
٣٦٦
وقرأ العامة " لاَتَ " بفتح التاء وحينَ منصوبة وفيها أوجه : أحدها وهو مذهب سيبويه : أن لا نافية بمعنى ليس والتاء مزيدة فيها كزيادتها في رُبَّ وثُمّ، كقولهم : رُبَّت وثُمَّت وأصلها " ها " وُصِلَتْ بلا فقالوا " لاَه " كما قالوا ثُمّهْ " ولا يعمل إلا في الزمان خاصة نحو : لات حين، ولات أوان كقوله : ٤٢٣٣ - طَلَبُوا صُلْحَنَا ولاَتَ أَوَانٍ
فَأجَبْنَا أَنْ لَيْسَ حِينَ بَقَاء
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٣٦٢
وقوله الآخر : ٤٢٣٤ - نَدِمَ البُغَاةُ لاَتَ سَاعَةَ مَنْدَم
والبَغْيُ مَرْتَعُ مُبْتَغِيهِ وَخِيمُ
والأكثر حينئذ حذف مرفوعها تقديره : وَلاَتَ الحِينُ حِينَ مَنَاصٍ.
وقد يحذف المنصوب ويبقى المرفوع وقد قرأ هنا بذلك بعضهم لقوله : ٤٢٣٥ - مَنْ صَدَّ عَنْ نِيرَانِهَا
فَأَنَا ابْنُ قَيْسٍ لاَ بَرَاحُ
أي لا براح لي.
ولا تعمل في غير الأحيان على المشهور، وقد تمسك بإعمالها في غير الأحيان في قوله : ٤٢٣٦ - حَنًّتْ نَوَارُ وَلاَتَ هَنَّا حَنَّت
وَبدَا الَّذِي كَانَتْ نَوَارُ أَجَنَّتِ
فإن " هنّا " من ظروف الأمكنة، وفيه شذوذ من ثلاثة أوجه :
٣٦٧
أحدهما : عملها في اسم الإشارة وهو معرفة ولا تعمل إلا في النكرات.
والثاني : كونه لا ينصرف.
الثالث : كونه غير زمان.
وقد رد بعضهم هذا بأن " هنا " قد خرجت عن المكانية واستعملت في الزمان كقوله تعالى :﴿هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [الأحزاب : ١١] وقوله : ٤٢٣٧ - (وَإِذَا الأُمُورُ تَعَاظَمتْ وَتَشَاكَلَتْ)
فَهُنضاك يَعْتَرِفُون أَيْنَ المَفْزَعُ
كما تقدم في سورة الأحزاب.
إلا أن الشذوذين الأخيرين باقيان.
وتأول بعضهم البيت أيضاً بتأويل آخر وهو أن " لات " هنا مُجْمَلَةٌ لا عمل لها، و " هنا " ظرف خبر مقدم و " حنت " مبتدأ بتأويل حذف " أن " المصدرية تقديره " أَنْ حَنَّت " نحو :" تَسْمَعُ بالمُعَيْدِيِّي خَيْرٌ مِنْ أنْ ترَاهُ " وفي هذا تكلف وبعد ألى أن فيه الاستراحة من الشذوذات المذكورة أو الشذوذين وفي الوقف عليها مذهبان : أشهرهما عند [علماء] العربية وجماهير القراء السبعة بالتاء المجبورة اتباعاً لمرسوم الخط، والكسائي وحْدَهُ من السبعة بالهاء.
والأول : مذهب الخليل وسِيبوَيْهِ والزَّجَّاج والفراءِ وابْنِ كَيْسَانَ.
والثاني : مذهب المبرد.
وَأَغْرَبَ أبو عبيدة فقال : الوقف على " لا " والتاء متصلة بحين فيقولون : قمت تحين قمت وتحين كان كذا فعل كذا، وقال : رأيتها في الإمام كذا " وَلاَ تَحِينَ " متصلةً، وأنشد على هذا أيضاً قول أبي وَجْزَة السَّعديِّ : ٤٢٣٨ - العَاطِفونَ تَحِينَ مَا مِنْ عَاطِفٍ
وَالمُطْعِمونَ زَمَانَ لاَ مِنْ مُطْعِمِ
٣٦٨
ومنه حديث ابن عمر وسأله رجل من عثمان فذرك مناقبهُ ثم قال :" اذْهَبْ تَلاَنَ إلَى أَصْحَابِكَ " يريد " الآن " والمصاحف إنما هي لات حين.
وحمل العامة ما رآه على أنه مما شذ عن قياس الخط كنَظَائِرَ له مرت.
فأما البيت فقيل فيه : إنه شاذ لا يلتفت إليه وقيل : إنه إذا حذف الحين المضاف إلى الجملة التي فيها " لات حين " جاز أن يحذف (لا) وحدها ويستغنَى عنها بالتاء، والأصل : العاطفُونَ حِينَ لاَتَ حِينَ لاَ من عاطف، فحذف الأول ولا وحدها كما أنه قد صرح بإضافة حين إليها في قوله الآخر :_ ٤٢٣٩ - وَذَلِكَ حِينَ لاَتَ أَوَانِ حِلْمٍ
..........................