جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٣٧٦
وقد تقدم هذا في أوائل البقرة و " هنالك " يجوز فيه ثلاثة أوجه : أحدهما : أن يكون خبر الجند و " ما " مزيدة، ومهزوم نعت لجند.
ذكره مكي.
الثاني : أن يكون صفة لجند.
الثالث : أن يكون منصوباً " بمهزوم " ومهزوم يجوز فيه أيضاً وجهان : أحدهما : أنه خبر ثانٍ لذلك المبتدأ المقدر.
والثاني : أنه صفة لجند إلا أن الأحسن على هذا الوجه أن لا يجعل " هنالك " صفة بل متعلقاً به لئلا يلزم تقدم الوصف غير الصريح على الصرح.
و " هنالك " مشار به إلى موضع التقاول والمحاورة بالكلمات السابقة وهو مكة أي سيهزمون بمكة، وهو إخبار بالغيب.
وقيل : مشار به نُصْرَة الأصنام، وقيل : إلى حَفْر الخَنْدق يعني إلى مكان ذلك.
الثاني من الوجهين الأولين : أن يكون " جند " مبتدأ و " ما " مزيدة، و " هنالك " نعت ومهزوم خبره، قاله أبو البقاء قال أبو حيان : وفيه بعد لتفلته عن الكلام الذي قبله قال شهاب الدين وهذا الوجه المنقول عن أبي البقاء يبقه إليه مكي.
قوله :﴿مِّن الأَحَزَابِ﴾ يجوز أن يكون لجند وأن يكون صفة " لمهزوم " وجوز أبو البقاء أن يكون متعلقاً به وفيه بعد لأن المراد بالأحزاب هم المهزومون.
٣٨١
فصل المعنى أن الذين يقولون هذا القول جند هنالِك و " ما " صلة مهزومة مغلوب من الأحزاب أي من جملة الأجناد، عين قريشاً، قال قتادة : أخبر الله تعالى نبيه - ﷺ - وهو بمكة أنه سيزم جندَ المشركين فقال :﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ [القمر : ٤٥] فجاء تأويلها يوم بدر، وهنالك إشارة إلى (يوم) بدر ومصارعهم، وقيل : يوم الخندق.
وقال ابن الخطيب : والأصح عندي حمله على يوم فتح مكة لأن المعنى أنهم جند سيصيرون منهزمين في الموضع الذي ذكروا فيه الكلمات وذلك الموضع هو مكة فوجب أن يكون المراد أنهم سيصيرون منهزمين في مكة وما ذاك إلا يوم الفتح.
وقوله :" من الأحزاب " أي من جملة الأحزاب أي هم من القرون الماضية الذين تَحَزَّبوا وتجمعوا على الأنبياء بالتكذيب فقهروا وأهلكوا.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٣٧٦
ثم قال لنبيه - ﷺ - معزياً له :﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو الأَوْتَادِ﴾ قال ابن عباس ومحمد بن كعب : ذو البِناء المحكم، وقيل : أراد ذو الملك الشديد الثابت، وقال القتيبيّ : تقول العرب : هم في عِزٍّ ثابت الأوتاد بريدون أنه دائم شديد، وقال الضحاك : ذو القوة البطش، وقال عطية : ذو الجنود والجموع الكثيرة، وسميت الأجناد أوتاداً لكثرة المضارب التي كانوا يضربونها ويوتدونها في أسفارهم وهي رواية عطية العوفي عن ابن عباس يعني أنهم كانوا يقوون أمره ويشدون ملكه كما يثبت إلا بالأوتاد والأطْنَاب كما قال الأفوه الأودي : ٤٢٥٣ - والْبَيْتُ لاَ يُبْتَنَى إلاَّ عَلَى عُمُدٍ
وَلاَ عِمَادَ إذَا لَمْ تُرْسَ أَوْتَادُ
٣٨٢
فاستعير لثبات العز والملك واستقرار الأمر كقول الأسود بن يعفر : ٤٢٥٤ - وَلَقَدْ غَنُوا فِيهَا بِأَنْعَمِ عِيشةٍ
فِي ظِلّ مُلْكٍ ثَابِتِ الأَوْتَادِ
والأوتاد جمع وتد فيه لغات : وَتِدٌ بفتح الواو وكسر التاء وهي الفصحى، ووتَدَ بفتحتين، وَوَدٌّ بإدغام التاء في الدال قال : ٤٢٥٥ - تُخْرِجُ الْوَدَّ إذَا ما أَشْجذَتْ
وَتُوَارِيه إذَا تَشْتَكِرْ
ووت بإبدال (الدال) تاء، ثم إدغام التاء فيها، وهذا شاذ ؛ لأن الأصل إبدال الأول للثاني لا العكس، وقد تقدم نحوٌ من هذا في آل عمران عند قوله :﴿فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ﴾ [آل عمران : ١٨٥].
ويقال : وَتِدٌ (وَاتِد) أي قويّ ثابتٌ وهو مثلُ مجازِ قولهم : شُغل شاغِل.
أنشد الأصمعي : ٤٢٥٦ - لاَقَتْ (عَلَى) الْمَاءِ جُذَيْلاَ واتدا
وَلَمْ يَكُنْ يُخْلِفُهَا الْمَوَاعِدَا
وقيل : الأوتاد هنا حقيقة لا استعارة، (و) قال الكبي ومقاتل : الأوتاد جمع الوَتدِ وكان له أوتاد يعذب الناس عليها فكان إذا غضب على أَحَد مده مستلقياً بين أربعة أوتاد تشدّ كل يد ولك رجل منه إلى سارية ويتركه كذلك في
٣٨٣


الصفحة التالية
Icon