وقيل : هو الذي يجمع بين يديه ويسويهما، وأما الذي يقف على سنبكه فاسمه المُخِيم، قاله أبو عبيدة.
وقيل : هو القائم مطلقاً أي سواء كان من الخيل، أو من غيرها، قاله القُتَبِيّ واستدل (بحديث) وبقوله عليه (الصلاة و) السلام " مَنْ سَرَّهُ أنْ يَقُومَ النَّاسُ لَهُ صُفُوناً فَلْيَتَبوَّأ مَقعَدَهُ مِنَ النَّار " أي يديمون له القيام.
وحكاه قطرب أيضاً وجاء في الحديث " قُمْنَا صُفُوناً " أي صافِّين أقدامَنا، وقيل : هو القيام مطلقاً سواء وقفت على طرف سنبك أم لا، قال الفراء : على هذا رأيت أشعارَ العرب، وقال النابغة : ٤٢٧٠ - لَنَا قُبًّةٌ مَضْرُوبَةٌ بِفنَائِهَا
عِتَاقُ المَهَارَى والجِيَادُ الصَّوَافِنُ
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٤١٢
والجياد إما من الجَوْدَة، يقال : جَادَا الفرسُ يَجودُ جَوْدَةً وجُودَةً بالفتح والضم فهو جَوَاد، للذكر والأنثى.
والجمع جِيَادٌ وأجْوَادٌ، وأَجاوِيدُ، وقيل : جمع لِجَوْد بالفتح كثَوْبٍ وثِيَاب.
وقيل : جمع جَيِّد.
وإِما م الجِيدِ وهو العُنُق، والمعنى : طويلة الأعناق الأجياد.
وهو دال على فراهَتِها.
قوله :﴿حُبَّ الْخَيْرِ﴾ فيه أوجه : أحدها : هو مفعول أحببت لأنه بمعنى آثرت، و " عن " على هذا بمعنى " عَلَى " أي على ذكر ربِّي، لأنه روي أن عرض الخيل حتى شغلته عن صلاة العصر أول الوقت حتى غَربت الشَّمْسُ.
وقال أبو حيان - وكأنه منقول عن الفراء - إنّه ضمن " أَحْبَبْتُ " معنى آثرتُ، حيث نصب " حب الخير " مفعولاً (به) وفيه نظر ؛ لأنه متعد بنفسه وإنما يحتاج إلى التضمين وإن لم يكن مُتَعَدِّياً.
٤١٤
الثاني : أن " حب " مصدر على حذف الزوائدة ولاناصب له " أَحْبَبْتُ ".
الثالث : أنه مصدر تشبيهي أي حُبًّا مِثْلَ حُبِّ الخَيْر.
الرابع : أنه قيل : ضمن معنى أنبت فلذلك تعدى بعَنْ.
الخامس : أن أحببت بمعنى لَزمْتُ.
قال ابن الخطيب : إن الإنسان قد يحب (شيئاً ولكنه يجب أن) لا يحبه كالمريض الذي يشتهي في مرضه فأما من أحب شيئاً وأحب أن يحبه فذلك غاية المحبة، فقوله :﴿أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ﴾ أي أحببت حبير للخير.
السادس : أن أحببت من أَحَبَّ البعيرُ إذا سقط وَبَرَكَ من الإعياء، والمعنى قعدت عن ذكر ربي فيكون " حب الخير " على هذا مفعولاً من أجله، والمراد بقوله :﴿عَن ذِكْرِ رَبِّي﴾ قيل : عن صلاة العصر، وقيل : عن كتاب ربي وهو التوراة، لأن إرتباط الخيل كما أنه في القرآن ممدوحٌ فكذلك في التوراة ممدوح وقوله ﴿ذِكْرِ رَبِّي﴾ يجوز أن يكون مضافاً للمفعول أي عن أن أذكر ربي، وأن يكون مضافاً للفاعل أي عن ذكر بي ربي والمراد بالخير : الخيل والعرب تعاقبت بين الراء واللام (تقول) : خَتَلْتُ الرجلَ وختَرْتُه أي خَدَعْتُه، وسميت الخيلُ (خيراً) لأنه معقود بواصيها الخَيْر الأجرُ والمَغْنم.
قوله :﴿حَتَّى تَوَارَتْ﴾ في الفاعل وجهان : أحدهما : هو :" الصّافنات "، والمعنى : حتى دخلت إصْطَبْلاَتِها فتوارتْ وغابت.
والثاني : أنه :" الشمس " أضمرت لدلالة السياق عليها، وقيل : لدلالة " العَشِيِّ "
٤١٥
عليها فإنها تشعر بها، وقيل : يدل عليها الإشراق في قصة داودَ وما أبْعَدَهُ.
قوله :﴿رُدُّوهَا﴾ هذا الضمير للصّافنات، وقيل : للشمس وهو غريب جدًّا قال ابن الخطيب : وهذا بعيد لوجوه : منها : أن الصَّافِنَات مذكورة بالتصريح، والشمس غير مذكورة وعود الضمير إلى المذكور أولى من عوده إلى المقدَّر، ومنها : أنه لو اشتغل بالخيل حتى غربت الشمس وفاتت صلاة العصر كان ذلك ذنباً عظيماً ومن كان هذا حاله فطريقهُ التّضرع والبكاء والمبالغة في إظهار التوبة فإما أن يقول على سبيل العَظَمَة لربِّ العالمين مثل هذه الكلمة العارية عن كل جهات الأدب عقيب ذلك الجُرْم العظيم (فهذا) لا يصدر عن أبعد الناس عن الخير فكيف يجوز إسناده للرسول المطهر المكرم ومنها أن القادر على تحريك الأفلاك والكواكب هو الله تعالى فكان يجب أن يقول رُدَّها عليَّ، ولا يقول : ردوها عليَّ لأن هذا اللفظ مشعر بأعظم أنواع الاستعلاء فيكف يليق بهذا اللفظ رعاية التعظيم ؟ ومنها : أن الشمس لو رجعت بعد الغروب لصار ذلم مشاهداً لأهل الدنيا ولو كان كذلك لوفرت الدواعي على نقهل وحيث لم ينقل علِمْنَا فَسَادَهُ.
قوله :﴿فَطَفِقَ مَسْحاً﴾ نصب " مسحاً " بفعل مقدر، هو خبر طفق أي (فـ)ـطفق يَمْسَحُ مَسْحاً، لأن خبر هذه الأفعال لا يكون إلا مضارعاً في الأمر العام وقال أبو البقاء - وبه بدأ - : مصدر في موضع الحال وهذا ليس بشيءٍ ؛ لأن " طَفِقَ " لا بدّ لها من خَبَرٍ.
وقرأ زيد بن علي : مِسَاحاً بزنة قِتَال، والباء في " بالسوق " مزيدة مثلها في قوله :﴿وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ﴾ [المائدة : ٦] وحكى سيبويه : مَسَحْتُ رَأْسَهُ وبرأسِهِ بمعنى واحدٍ.
ويجوز أن تكون للإلصاق كما تقدم، وتقدم همز السوق وعدمه في النمل.
٤١٦


الصفحة التالية
Icon