قوله :" رَحْمَةً وَذِكْرى " مفعول من أجله وهبناهم له لأجل رحمتنا إياه وليَتَذَكَّرَ بحاله أولو الألباب يعني سلطنا عليه البلاء أولاً فصبر، ثم أزلنا عنه البلاء وأوصلنا إليه الآلاء والنَّعْمَاءَ تنبيهاً لأولي الألباب عن أن من صبر ظفر.
وهو تسلية لمحمد - عليه (الصلاة و) السلام - كما تقدم.
قالت المعتزلة : وهذا يدل على أن أفعال الله تعالى معلَّلة بالأغراض والمقاصد لقوله :﴿رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ﴾.
قوله :﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً﴾ (ضغثاً) معطوف على " اركُضْ " والضَّغْثُ الحِزْمة الصَّغيرة من الحَشِيش والقُضْبَان، وقيل : الحزمة الكبيرة من القضبان وفي المثل :" ضِغْثٌ عَلَى إبَّالة " والإبَّالَةُ الحزمة من الحَطَب، قال الشاعر : ٤٢٧٦ - وَأَسْفَلَ مِنِّي نَهْدَةٌ قَدْ رَبَطتُهاَ
وَأَلْقَيْتُ ضِغْثاً مِنْ خَلًى مُتَطَيبِ
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٤٢٦
وأصل المادة يدل على جمع المختلطات، وقد تقدم هذا في يُوسُفَ في قوله :﴿أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ﴾ [يوسف : ٤٤].
قوله :﴿ضِغْثاً فَاضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ﴾ الحِنْثُ الإثم ويطلق على فعل ما حُلف على تَرْكه أو تَرك ما حلف على فعله لأنهما سببان فيه غالباً.
فصل هذا الكلام يدل على تقدم يمين منه، وقد روي أنه حلق على أهله، وختلفوا في سبب حلفه عليها، ويبعد ما قيل : إنها رغبة في طاعة الشيطان ويبعد أيضاً ما رُوِيَ أنها قطعت ذَوَائِبَها لأن المضطر يباح له ذلك، بل الأقرب أنها خالفته في بعض المهمات، وذلك أنها ذهبت في بعض المهمات فأبطأت فحلف في مرضه ليَضرِبنَّهَا مائةً إذا برئ،
٤٣١
ولما كانت حسنة الخدمة لا جَرَمَ حلل الله يمينه بأهون شيء عليه وعليها وهذه الرخصة باقية، لما روي أن النبي - ﷺ - أتى برجل ضَعيفٍ زَنَا بأمةٍ فقال :" خُذُوا (عِثْكَالاً فيه) مائة شِمراخ فاضربوه بها ضربةً واحدةً ".
قوله :﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً﴾ فإن قيل : كيف وجده صابراً وقد شكا إليه ؟ فالجواب من وجوه : الأول : أنه شكى مَسَّ الشيطان إليه وما شكى إلى أحدٍ.
والثاني : أن الآلام حين كانت على الجسد لم يذكر شيئاً فلما عظمت الوَسَاوِسُ خاف على القلب والدين (فـ)ـتَضَرَّع.
الثالث : أن الشيطان عدو والشكاية من العدو إلى الحبيب لا تقدح في الصبر.
قوله :﴿نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ يدل على أن التشريف بقوله :﴿نِّعْمَ الْعَبْدُ﴾ إنما حصل لكونه أواباً.
روي أنه لما نزل قوله تعالى :﴿نِّعْمَ الْعَبْدُ﴾ في حق سليمان تَارةً وفي حق أيوبَ أخرى عظم في قلوب أمة محمد - ﷺ - وقالوا : إن قوله : نعم العبد تشريفٌ عظيم فإن احتجنا إلى تحمل بلاء مثل أيوب لم نقدر عليه فكيف السبيل إلى تحصيله ؟ فأنزل الله تعالى قوله :﴿فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ [الحج : ٧٨] والمراد أنك إن لم تكن نعما لعبد فأنا نعم المولى فإن كان منك الفضل فمني الفضل وإن كان منك التقصير فمني الرحمةُ والتَّيْسِيرُ.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٤٢٦
قوله :﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ قرأ ابن كثير : عَبْدَنا بالتوحيد.
والباقون عِبَادَنَا بالجمع والرسم يحلتملهما، فأما قراءة ابن كثير فإبراهيم بدل، أو بيان،
٤٣٢


الصفحة التالية
Icon