قوله :﴿هَـذَا ذِكْرٌ﴾ جملة جيء بها إيذاناً بأنَّ القصَّة قد تَمَّتْ وأَخَذَ في أخرى وهذا كما فعل الجاحظ في كتبه يقول فهذا باب ثم يشرع في آخر ويدل على ذلك أنه لما
٤٣٥
أراد أن يعقب بذكر أهل النار ذكر أهل الجنة ثم قال :" هَذَا وإنَّ لِلطَّاغِين " وقيل : المراد هذا شرف وذكر جميل لهؤلاء الأنبياء يذكرون أبداً والصحيح الأول.
قوله :﴿وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ﴾ المآب المرجعُ، لما حكى سَفَاهَة قُرَيْش على النبي - ﷺ - بقولهم :" سَاحِر كَذَّاب " وقولهم له استهزاء :" عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا " ثم أمره بالصبر على سَفَاهَتهم واقتدائه بالأنبياء المذكورين في صبرهم على الشدائد والمكاره بين ههنا أن من أطاع الله كان له من الثواب كذا وكذا وكل من خالفه كان له من العقاب كذا وكذا.
وذلك يوجب الصبر على تكاليف الله تعالى.
وهذا نظم حسن، وترتيب لطيف.
قوله :﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ العامة على نصب " جنات " بدلاً من " حسن مآب " سواء كانت " جنات عدن " معرفة أم نكرة لأن المعرفة تبدل من النكرة وبالعكس، ويجوز أن تكون عطف بيان إن كانت نكرة ولا يجوز ذلك فيها إن كانت معرفةً.
(وقد جوز الزمخشري ذلك بعد حكمه) واستدلاله على أنها معرفة، وهذا كما تقدم له في مواضع يجيز عطف البيان وإن تخلفا تعريفاً وتنكيراً.
وقد تقدم هذه في قوله تعالى :﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ﴾ [آل عمران : ٩٧] ويجوز أن ينتصب " جَنَّاتِ عَدْنٍ " بإضمار فعل، و " مُخَتَّحَةً " حال من " جَنَّات عَدْنٍ " أو نعت لها إن كانت نكرة.
وقال الزمخشري : حال، والعامل فيها ما في " المُتَّقِينَ " من معنى الفعل.
انتهى.
وقد علل أبو البقاء بعلة في " مُتَّكِئِينَ " تقتضي مع " مفتحةً " أن تكونَ حالاً وإن كانت العلة غير صحيحة فقال : ولا يجوز أن تكون - يعني متكئين - حالاً من " للمتقين " ؛ لأنه قد أخبر عنهم قبل الحال وهذه العلة موجودة في جعل " مُفَتَّحةً حالاً من للمتقين كما ذكره الزمخشري إلاّ أنّ هذه العلة ليست صحيحة.
وهو نظير قولك :" إنَّ لهندٍ لاً قائمةً " وأيضاً في عبارته تجوز فإن " للمتقين " لم يخبر
٤٣٦
عنهم صناعة إنما أخبر عنهم معنى وإلا فقد أخبر عن " حُسْنَ مَآبٍ " بأنه لهم، وجعل الحوفي العامل مقدراً أي يَدْخُلُونَها مفتحةً.
قوله :﴿الأَبْوَابُ﴾ في ارتفاعها وجهان : أشهرهما عند الناس : أنها مرتفعة باسم المفعول كقوله :﴿وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ [الزمر : ٧٣] واعترض على هذا بأن " مُفَتَّحَةً " إما حال، وما نعت " لجَنَّات ".
وعلى التقديرين فلا رابطَ.
وأجيب بوجهين : أحدهما : قول البصريين وهو أن ثَمَّ خبراً مقدراً تقديره الأبوابُ منها.
والثاني : أن ( " أل " ) قامت مقام الضمير، إذ الأصل أبوابها، وهو قول الكوفيين وتقد تحقيق هذا.
والوجهان جريان في قوله :﴿فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات : ٤١].
الثاني : أنها مرتفعة على البدل من الضمير في متفحة العائد على جنات.
وهو قول الفارسي لما رأى خلوّها من الرابط لفظاً ادّعى ذلك.
واعترض على هذا بأن هذا من بدل البعض أو الاشتمال وكلاهما لا بدّ فيهما من ضمير فيضطر إلى تقديره كما تقدم.
ورجح بعضهم الأول بأن فيه إضماراً واحداً وفي هذا إضماران وتبعه الزمخشري فقال " والأبواب " بدل من الضمير في " مفتحة " أي مفتحة هي الأبواب كقولك :" ضُرِبَ زَيْدٌ الْيَدُ والرِّجْلُ " وهو من بدل الاشْتِمال.
فقوله :" بدل الاشتمال " إنما يعني به الأبواب لأن الأبواب قد يقال : إنها ليست بعض الجنات، وأما ضرب زيد اليد والرجل فهو بعض من كل ليس إلا.
وقرأ زيد بن علي وأبو حيوة جنات عدن مفتحة برفعها إما على أنها جملة من
٤٣٧