مبتدأ وخبر، وإما على كل واحدة خبر مبتدأ مضمر أي هِيَ جناتٌ هِيَ مفتحةٌ.
قوله :﴿مُتَّكِئِينَ﴾ حال من " لهم " العامل فيها مفتحة، وقيل : العامل " يَدْعُونَ " (و) تأخر عنها.
وقد تقدم منع أبي البقاء أنها حال من " للمتقين " وما فيه، و " يَدْعُونَ " يجوز أن يكون مستأنفاً وأن يكون حالاً إما من ضمير " متكئين " وإما حالاً ثانيةً.
فصل اعلم أنه تعالى وصف أحوال أهل الجنة في هذه الآية بأشياء : أولها : أحوال مساكنهم جنات عدن وذلك يدل على أمرين : أحدهما : كونها بساتينَ.
والثاني : كونها دائمةً ليست منقضيةً، وقوله :﴿مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأَبْوَابُ﴾ قيل : المراد أن الملائكة يفتحو(ن) لهم أبواب الجنة يُحَيُّونهم بالسلام كما قال تعالى :﴿حَتَّى إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ [الزمر : ٧٣] وقيل : الحق أنهم كلما أرادوا انفتاح الأبواب انفتحت لهم وكلما أرادوا انغلاقها انغلقت لهم، وقيل : المراد من هذا الفتح وصف تلك المساكن بالسِّعة وقُرَّة العيون فيها، وقوله :﴿مُتَّكِئِينَ﴾ قد ذكر في آيات أخر كيفية ذلك الاتّكاء فقال في آيةٍ ﴿عَلَى الأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ﴾ [يس : ٥٦] وقا في آخرى :﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ﴾ [الرحمن : ٧٦] " يَدْعُونَ فِيهَا " فِي الجنات بألوان الفاكهة وألوان الشراب والتقدير بفاكهة كثيرة وشارب كثير، ولما بين المسكن والمأكول والمشروب ذكر ألأمر المنكوح فقال ﴿أَتْرَابٌ﴾ أي من غيرهم وقوله " أَتْرَابٌ " أي على سنِّ واحد، وقيل : بنات ثلاث وستين سنة واحدها تِرْب.
وعند مجاهد : متواخِيات لا يَتَبَاغَضْنَ ولا
٤٣٨
يَتَغَايَرن، وقيل : أتراب للأزواج، وقال القفال : والسبب في اعتبار هذه الصفة أنهن لما تَشَابَهْنَ في الصِّفة والسن والجِبِلّة كان الميل إليهن على السَّوِيَّة وذلك يقتضي عدم الغيرة.
قوله :﴿هَـذَا مَا تُوعَدُونَ﴾ قرأ ابن كثير وأبو عمرو :" هذا ما يُوعَدُونَ " بياء الغيبة وفي (ق) (و) ابن كثير وحده.
والباقون بالخطاب فيهما وجه الغيبة هنا وفي (ق) تقدم ذكر المتقين ووجه الخطاب الالتفات إليهم والإقابل عليهم ؛ أي قُلْ لِلْمُتَّقِين هذا ما توعدون ليوم الحساب أي في يوم الحساب " إنَّ هَذَا لَرِزْقُنا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ " أي فناء وانقطاع، وهذا إخبار عن دوام هذا الثواب.
قوله :" من نفاد " إما مبتدأ وإما فاعل و " من " مزيدة، والجملة في محل نصب الحال من رزْقُنَا أي غير فانٍ، ويجوز أن يكون خبراً ثانياً.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٤٣٥
قوله :﴿هَـذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ﴾ يجوز أن يكون " هذا " مبتدأ، والخبر مقدر، فقدره الزمخشري :" هذا كما ذكر " وقدره أبو علي للمؤمنين، ويجوز أن يكون خبرَ مبتدأ مضمرٍ أي الأمرُ هذا.
فصل لما وصف ثواب المؤمنين وصف بعده عقاب الظالمين ليكون الوعيد مذكوراً عقيبَ الوعد والترهيب عقيب الترغيب فقال :﴿هَـذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ﴾ أي مرجع، وهذا في
٤٣٩
مقابلة قوله :﴿هَـذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ﴾ والمراد " بالطاغين " : الكفار، وقال الجبائي : هم أصحاب الكبائر سواء كانوا كفاراً أم لا، واحتج الأولون بقوله :﴿أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً﴾ ؛ ولأن هذا ذمّ مطلق فلا يحمل إلا على الكامل في الطغيان وهو الكافر، واحتج الجبائي بقوله تعالى :﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى (*) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى ﴾ [العلق ٦ - ٧] فدل على أن الوصف بالطغيان قد يحصل لصاحب الكبيرة، لأن كل من تجاوز حدّ تكاليف الله وتعداها فقد طغى.
قوله :﴿جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ يجوز أن يكون بدلاً من " شَرَّ مَآبِ " أو منصوبة بإضمار أعني فعل، وقياس قول الزمخشري في :" جَنَّاتِ عَدْنٍ " أي يكون عطف بيان وأن يكون جهنم منصوبة بفغل يتقدمه على الاشتغل أي يَصْلَوْنَ جَهْنَّمَ يَصْلَوْنَها، والمخصوص بالذم محذوف أي " هِيَ ".
قوله :﴿فَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ هو معنى قوله :﴿لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ [الأعراف : ٤١] شبَّه الله تعالى ما تحتهم من النار بالمهاد الذي يفرشه النائمُ.
قوله :﴿هَـذَا فَلْيَذُوقُوهُ﴾ في هذا أوجه : أحدها : أن يكون مبتدأ وخبره :" حميمٌ وغَسَّاقٌ " وقد تقدم أن اسم الإشارة يكتفي بواحدة في المثنى كقوله :﴿عَوَانٌ بَيْنَ ذالِكَ﴾ [البقرة : ٦٨] أو يكون المعنى : هذا جامع بين الوصفين ويكون قوله :﴿فَلْيَذُوقُوهُ﴾ جملة اعتراضية.
الثاني : أن يكون " هذا " منصوباً بمقدر على الاشتغال أي لِيَذُوقُوا هذا، وشبهه الزمخشري بقوله تعالى :﴿وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ [البقرة : ٤٠] يعني على الاشتغال والكلام على مثل هذه الفاء قد تقدم و " حمِيمٌ " على هذا خبر مبتدأ مضمر، أو مبتدأ وخبره مضمر أي مِنْهُ حميمٌ ومنهُ غسَّاقٌ كقوله :
٤٤٠


الصفحة التالية
Icon