تخاصم أهل النار وقيل : على ما تقدم من إخباره - ﷺ - بأنه نذير مبين وبأن الله إله واحدٌ متصف بتِلْكَ الصفات الحُسْنَى و ﴿أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ﴾ صفة " لنبأ "، أو مستأنفة، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : المراد بالنبأ العظيم القرآن، وقيل : القيامة لقوله :﴿عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾ [النبأ : ١، ٢].
قال ابن الخطيب : هذا النبأ العظيم يحتمل وجوهاً : فيمكن أن يكون المراد به القول بأن " الإله " واحد، وأن يكون المراد القول بإثبات الحشر والقيامة نبأ عظيم ويمكن أن يكون المراد (كون) القرآن معجزاً لتقدم ذكره في قوله :﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا ااْ آيَاتِهِ﴾ [ص : ٢٩] وهؤلاء الأقوام أعراضوا عنه قوله :﴿مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمََلإِ الأَعْلَى ﴾ [ص : ٦٩] يعني الملائكة فقوله :﴿بِالْمََلإِ الأَعْلَى ﴾ [ص : ٦٩] متعلق بقوله :﴿مِنْ عِلْمٍ﴾ [ص : ٦٩] وضمن معنى الإحاطة فلذلك تعدي بالباء و (قد) تقدم تحقيقه.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٤٥٠
قوله :﴿إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ فيه وجهان : أحدهما : هو منصوب بالمصدر أيضاً.
والثاني : بمضاف مقدر أي بكَلاَم الملأ الأعلى إذْ ؛ قال الزمخشري والضمير
٤٥١
في " يَخْتَصِمُونَ " للملأ الأعلى هذا هو الظاهر، وقيل : لقُرَيْش أي يختصمون في الملأ الأعلى فبعضهم يقول : بنات الله، وبعضهم يقول غير ذلك فالتقدير إذْ يختصمون فيهم ؛ (يعني) في شأنِ آدم، قال الله تعالى :﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا﴾ [البقرة : ٣٠].
فإن قيل : الملائكة لا يجوز أن يقال : إنهم اختصموا بسبب قولهم : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، والمخاصمة مع ا االله كفر.
فالجواب : لا شك أنه جرى هناك سؤال وجواب وذلك يشبه المخاصمة والمناظرة والمشابهة علة لجواز فلهذا السبب حسن إطلاق لفظ المخاصمة عليه، ولما أمر الله تعالى محمداً - ﷺ - أن يذكر هذا الكلام على سبيل الرمز أمره أن يقول :﴿إِن يُوحَى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ يعني أنا ما عرفت هذها لمخاصمة إلا بالوحي.
قوله :﴿إِلاَّ أَنَّمَآ أَنَاْ﴾ العامة على فتح همزة " أنَّما " وفيها وجهان : أحدهما : أنها مع ما في خبرها في محل رفع لقيامها مقام الفاعل أي ما يوحى إلَيَّ (إلا) الإنذار أو إلا كوني نذيراً مبيناً.
والثاني : أنها في محل نصب أو جر بعْدَ إسقاط لام العلة والقائمة مقام الفاعل على هذا الجار والمجرور أيْ ما يوحى إليّ إلاّ للإنذار، أو لكوني نذيراً، ويجوز أن يكون القائم مقام الفاعل على هذا ضميراً يدل عليه السياق أي ما يوحى إليّ ذَلِكَ الشيءُ إلا للإنذار.
وقرأ أبو جعفر الكسر ؛ لأن الوحي قول، قاله البغوي.
وهي القائمة مقام الفاعل على سبيل الحكاية كأنه قيل : ما يُوحَى إلَيَّ إلا هذه
٤٥٢
الجملة المتضمنة لهذا الإخْبار، وقال الزمخشري :(على) الحكاية أي إلا هذا القول وهو أنْ أولَ لكم إنَّمَا أَنَا نذيرٌ مبينٌ ولا أَدَّعِي شيئاً آخَرَ.
قال أبو حيان : وفي تخريجه تعارض لأنه قال إلا هذا فظاهره الجملة التي هي " إنِما أنَا نذيرٌ مبين " ثم قال : وهو أن أقول لكم إني نذير، فالقائم مقام الفاعل هو أن أقوال لكم وإنِّي وما بعده في موضع نصب.
وعلى قوله :" إلاّ هذا القول " يكون في موضع رفع فتَعَارَضَا.
قال شهاب الدين : ولا تعارض البتة لأنه تفسير معنى في التقدير الثاني وفي الأول تفسير إعراب فلا تعارض.
قوله :﴿إِذْ قَالَ﴾ يجوز أن يكون بدلاً من " إذْ " الأولى وأن يكون منصوباً باذْكُرْ مقدراً قال الأول الزمخشري وأطلق، (و) أبو البقاء الثاني وأطلق وفصل أبو حيان فقال بدل من " إِذْ يضخْتَصِمُونَ " هذا إذا كانت الخصومة في شأن مَنْ يستخلف في الرض وعلى غيره من الأقوال يكون منصوباً " باذْكُرْ " انتهى قال شهاب الدين : وتِلْكَ الأقوال أن التَّخَاصُمَ إما بين الملأ الأعلى أو بين قريش وفي ما (إ) ذا كان المخاصمة خلاف.
قوله :﴿مِّن طِينٍ﴾ يجوز أن يتعلق بمحذوف صفة " لِبَشَراً " وأن يتعلق بنفس " خَالِق ".
فصل اعلم أن المقصود من ذكر هذه القصة المنع من الحَسَد والكِبْر ؛ لأن إبليس وقع فيما وقع فيه بسبب الحسد والكبر والكفار إنما نازعُوا محمداً - ﷺ - بسبب الحَسَد والكبر فذكر الله تعالى هذه القصة ههنا ليصير سماعُها زادراً لهم عن هاتين الخَصْلَتَيْن
٤٥٣