الذين قال الله تعالى فيهم :﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ [الحجر : ٤٢] فيكون عاماً في اللفظ خاصاً في المعنى كقوله :﴿عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ [الإنسان : ٦] يريد بعض العباد، وقال قتادة : لا يرضى لأحد من عباده الكفر أي لا يرضى لعباده أن يكفروا به.
وهو قول السَّلَفِ قالوا : كُفر الكافر غير مرضي لله وإن كان بإرادته.
واحتج الجنائيّ بهذه الآية من وجهين : الأول : أن المُجبرة يقولون : إن الله تعالى خلق العباد وأفعالهم وأقوالهم وكل ما خلقه حقّ وصواب، وإذا كان كذلك كان قد رَضِي بالكفر من التوجه الذي خلقه وذلك ضد الآية.
الثاني : لو كان الكفر بقضاء الله تعالى لوجب علينا أن نرضى به لأن الرضا بقضاء الله واجب وحيث اجتمعت الأمة على أن الرضا بالكفر كفر ثبت أنه ليس بقضاء الهو ليس أيضاً برضا الله تعالى وأجيب بوجوه : أحدها : إن عادة القرآن جارية بتخصيص لفظ العباد بالمؤمنين كما قدماه عن ابْنِ عَبَاسٍ.
وثانيها : قول السلف المتقدم وأنشد ابنُ دُرَيْدٍ : ٤٢٩١ - رَضِيتُ قَسْراً أو عَلَى القَسْرِ رِضا
مَنْ كَانَ ذَا سُخْطٍ علَى صَرْفِ القضا
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٤٧٢
أثبت الرضا مع القَسْر.
وثالثها : هب أن الرضا هو الإرادة إلا أن قوله :﴿وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾ عام فيتخصص بالآيات الدالة على أنه تعالى لا يريد الكفر لقوله تعالى :﴿وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ﴾ [الإنسان : ٣٠].
قوله :﴿وَإِن تَشْكُرُواْ﴾ أي تؤمنوا بربكم وتُطِيعُوه " يَرْضَهُ لَكُمْ " فَيثيبكم عليه.
قرأ ابن كثير والكسائي وابن ذكوان يَرْضَهُو بالصلة.
وهي الأصل من غير خلاف وهي قراءة واضحةٌ.
قال الواحدي : من أشبع الهاء (حتى ألحق فيها واواً لأن ما قبل الهاء متحرك فصار بمنزلة ضربه، وقرأ " يَرْضَهُ " بضم الهاء) من غير صلة بلا خلاف نافعٌ وعاصمٌ
٤٧٨
وحمزة وقرأ " يَرْضَهُ " بإسكانها وصلاً من غير خلاف السُّوسِيُّ عن أبي عمرون، وقرأ بالوجهين أعني الإسكان والصلة الدّورِيّ عن أبي عمرٍو.
وقرأ بالإسكان والتحريك من غير صلة هشام عن ابن عامر فهذه خمس مراتب للقراءة وقد تقدم توجيه الإسكان والقصر والإشباع أول الكتاب وما أنشد عليه، ولا يلتفت إلى أبي حاتم في تَغْليطه رَاوِي السكون ؛ فإنها لغة ثابتةٌ عن بني عقيل وبني كَلاَبٍ.
قوله :﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ قال الجبائي : هذا يدل على أنه لا يجوز أن يقال : غنه تعالى يأخذ الأولاد بذنوب الآباء واحتج به أيضاً من أنكر وجوب ضربالدية على العَاقِلَة.
ثم قال :﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ﴾ وهذا يدل على إثبات البعث والقيامة ﴿فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ وهذا يدل على تهديد العاصي وبشارة المطيع وقوله :﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ كالعلة لما سبق أي إنه إنما ينبئكم بأعمالكم لأنه عالم بجميع المعلومات فيعلم ما في قلوبكم من الدواعي والصوارف قال - ﷺ - :" إنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إلى صُوَرِكُمْ وَلاَ إِلَى أَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وأَعْمَالِكُمْ ".
قوله :﴿وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّه﴾ لما بين فساد القول بالشِّركِ وبين أنه هو الذي يجب أن يعبد بين ههنا أن طريقة الكفار متاقضة لأنهم إذا مسهم الضر طلبوا دفعه من الله، وإذا أزال ذلك الضر عنهم رَجَعُوا إلى عبادة غيره فكان الواجب علهيم أن يتعرفوا بالله تعالى في جميع الأحوال لأنه القادر على إيصال الخير ودفع الشر فظهر تناقض طريقهم.
والمراد بالإنسان الكافر، وقيل المراد : أقوام معينين كعُتْبَةَ بْنِ ريبعة وغيره.
والمراد بالضر جميع المكاره سواء كان في جسمه أو ماله أو في أهله وولده، لأن اللفظ مطلق فلا معنى لتقييده.
٤٧٩
قوله :﴿مُنِيباً﴾ حال من فاعل " دَعَا " و " إلَيْهِ " متعلق " بمُنِيباً " أي راجعاً إليه في إزالة ذلك الضر، ولأن الإنابة الرجوع.
قوله :﴿ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ﴾ أعطاه " نعمة منهُ " أي أعاطها إياه ابتداء من غير مقتضٍ.
ولا يتسعمل في الجزاء بل في باتداء العطيَّة، قال زهير : ٤٢٩٢ - هُنَالِكَ إنْ يُسْتَخْوَلُوا المَالَ يُخْولوا
.....................
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٤٧٢
ويروى : يُسْتَخْبَلُوا الماَ يُخْبِلوا، وقال أبو النجم : ٤٢٩٣ - أَعْطَى فَلَمْ يَبْخَلْ وَلَمْ يُبَخَّلِ
كُومَ الذُّرَى مِنْ خَوَلِ المُخَوِّلِ