قوله :﴿قُلْ إِنِّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً (لَّهُ الدِّينَ " أي مخلصاً له﴾ التوحيد لا أشْرِك به شيئاً، وهذا هو النوع الثامن من البيانات التي أمر الله رسوله أن يذكرها.
قوله :﴿وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ﴾ في هذه اللام وجهان : أحدهما : أنها للتعليل تقديره وأمرت بما أُمِرْتُ به لأن أكون قال الزمخشري : فإن قلتَ : كيف عطف " أُمِرْتُ " على " أمرت " وهما واحد ؟ قلتُك ليسا بواحد لاختلاف جهتيهما ؛ وذلك أن الأمر بالإخلاص وتكليفه شيء والأمر به ليحُوزَ به قَصَبَ السبق في الدِّين شيءٌ آخر، وإذا اختلف وجها الشيء وصفتاه ينزل بذلك منزلة شيئين مختلفين.
الثاني : أن تكونَ اللام مزيدةً في " أَنْ " قال الزمخشري : وذلك أن تجعل اللامَ مزيدةً مثلها في قولك : أَرَدْتُ لأَنْ أَفْعَلَ.
ولا تزاد إلاَّ مع " أنْ " خاصة دون الاسم الصريح كأنها زيدت عوضاً من ترك الأصل إلَى ما يقوم مقامه، كما عوض السين في " أسْطَاع " عوضاً من تكر الأصل إلَى ما يقوم مقامه، كما عوض السين في " أسْطَاع " عوضاً من ترك الأصل الذي هو " أَطْوَعَ " والدليل على هذا الوجه مجيئه بغير لام في قوله :﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس : ٧٢ والنمل : ٩١] (و) ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس : ١٠٤] (و) ﴿أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ﴾ [الأنعام : ١٤] انتهى.
قوله :" ولا تزاد إلا مع أن " فيه أن نظر من حيث إنها تزاد باطّراد إذا كان المعمول متقدماً
٤٨٨
أو كان العامل فرعاً وبغير اطراد من غير الموضعين.
ولم يذكر أحد من النحويين هذا التفصيل.
وقوله.
كما عوض السين في " أسطاع " هذا على أحد القولين، والقول الآخر أنه اسْتَطَاع، فحذف تاء الاستفعال، وقوله : والدليل عليه مجيئه بغير لام قد يقال : إن أصله باللام، وإنما حذفت لأن حرف الجر يطرد حذفه مع " أَنْ " و " أَنَّ " ويكون المأمور به محذوفاً تقديره : أن أعبد لأَنْ أَكُونَ.
فصل المراد من الكلام : أن يكون أول ن تمسك بالعبادات التي أرسلت بها.
واعلم أن العبادة لها ركنان عمل القلب وعمل الجوارح وعمل القلب أشرف من عمل الجوارح وهو الإسلام فقال :﴿وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ﴾ أي من هذه الأمة.
قوله :﴿قُلْ إِنِّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي﴾ وعبدت غيره ﴿عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ وهذا حين دعا إلى دين آبائه، والمقصود منه المبالغة في زجر الغير من المعاصي.
ودلت هذه الآية على أن الأمر للوجوب لقوله في أول الآية :﴿إِنِّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ﴾ ثم قال بعده :﴿قُلْ إِنِّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي﴾ فيكون معنى هذا العِصْيان ترك الأمر الذي تقوم ذكره، ودلت الآية أيضاً على أن المرتب على المعصية ليس حصول العقاب بل الخوف من العقاب.
قوله :﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ﴾ قدمت الجلالة عند قوم لإفادة الاختصاص.
قال الزمخشري : ولدلالته على ذلك قدم المعبود على فعل العبادة هنا وأخره في الأول فالكلام أولاً وقع في الفعل نفسه وإيجاده، وثانياً فيمن يفعل الفعل من أجله فلذلك رتب عليه قوله :﴿فَاعْبُدُواْ مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِهِ﴾ قال ابن الخطيب : فإن قيل : ما معنى التكرير في قوله :﴿قُلْ إِنِّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ﴾ وقوله :﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي﴾ ؟ قلنا : هذا ليس بتكرير لأن الأول إخبار بأنه مأمور من جهة الله بالإيمان بالعبادة والثاني إخبار بأنّه أُمرَ أن لا يعبد أحداً غير الله، وذلك لأن قوله :﴿أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ﴾ لا يفيد الحصر ووقوله تعالى :﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ﴾ يفدي الحصر أي اللهَ أعبدُ ولا أعبدُ أحداً سواهُ، ويدل عليه أنه لما قال :﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ﴾ قال بعده :{فَاعْبُدُواْ مَا
٤٨٩