قوله :﴿وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ﴾ أي تقول الخزنة للظالمين :﴿ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ أي وباله.
ولما بين كيفية عقاب القاسية قلوبهم في الآخرة وبين كيفية وقوعهم في العذاب قال :﴿كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ أي من قبل كفار مكة كذبوا الرسل ﴿فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ يعني وهم آمنون غافلون عن العذاب أي من الجهة التي لا يخشون ولا يخطر ببالهم أن الشر يأتيهم منا، ﴿فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ وهو الذل والصغار والهوان ثم قال :﴿وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ يعني أنَّ أولئك وإن نزل بهم العذاب والخزي في الدنيا فالعذاب المدخر لهم يوم القيامة أكبر وأعظم من ذلك الذي وقع بهم في الدنيا.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٤٩٩
ولما ذكر الله تعالى هذه الفوائد الكثيرة في هذه المطالب بين أن هذه البيانات بلغت حدّ الكمال والتمام فقال :﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ يتعظون، قالت المعتزلة : دلت الآية على أن أفعال الله تعالى وأحكامه معللة، ودلت أيضاً على أنه تعالى يريد الإيمان والمعرفة من الكلّ ؛ لأن قوله :﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ﴾ مشعِر بالتعليل، وقوله في آخر الآية :﴿لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ مشعر بالتعليل أيضاً ومشعر بأن المراد من ضرب هذه الأمثال حصولُ التذكرة والعلم.
قوله :﴿قُرْآناً عَرَبِيّاً﴾ فيه ثلاثة أوجه : أحدهما :(أن يكون منصوباً على المدح ؛ لأنه لما كان نكرةً امتنع إتباعه للقرآن.
الثاني : أن ينتصب بـ " يتذكرون " أي) يتذكرون قرآناً.
الثالث : أن ينتصب على الحال من " القرآن " على أنها حال مؤكدة وتسمى حالاً موطّئة ؛ لأن الحال في الحقيقة " عربياً " و " قُرْآناً " توطئه له، نحو : جاء زيد رجالاً
٥٠٦
صالحاً، وقوله :﴿غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾ نعت " لقُرْآناً "، أو حال أُخْرَى.
قال الزمخشري : فإن قلت : فهلا قيل مستقيماً أو غير مُعْوَجٍّ ؟ قلتُ : فيه فائدتان : إحداهما : نفي أن يكون فيه عِوَجٌ قط كما قال :﴿وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا﴾ [الكهف : ١].
والثانية : أن العِوَج يختص بالمعاني دون الأعيان وقيل : المراد بالعِوَج الشك واللَّبْس وأنْشَدَ : ٤٢٩٨ - وَقَدْ أتَاكَ يقينٌ غَيْرُ ذِي عِوَجٍ
مِنَ الإلهِ وَقَوْلٌ غَيْرُ مَكْذُوبِ
فصل اعلم أنه تعالى وصف القرآن بصفات ثلاثة : أولها : كونه قرآناً، والمراد كونه مَتْلُوَّا في المحاريب إلى قيام الساعة.
وثانيها : كونه عربياً أي أنه أعجز الفصحاءَ والبلغاءَ عن معارضته كما قال :﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ﴾ [الإسراء : ٨٨].
وثالثها : كونه غيرَ ذي عِوجَ، والمراد براءته من التناقض، قال ابن عباس : غير مختلف، وقال مجاهد : غير ذي لَبْس وقال السدي : غير مخلوق، ويروى ذك عن مالكل بن أَنَسٍ، وحكى سفيان بن عينه عن سبعين من التابعين أن القرآن ليس بخالقٍ ولا مخلوق.
قوله :﴿لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ الكفر والتكذيب به.
وتمسك المعتزلة به في تعليل أحكام الله تعالى، وقوله في الآية الأولى :﴿لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾، وههنا :" لعلهم يتقون " لأن التذكر يتقدم على الاتّقاء والاحتراز.
والله أعلم.
قوله تعالى :﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً﴾ قال الكسائي : نصب " رجلاً " لأنه تفسير للمَثَل.
واعلم أنه تَعَالَى لما شرح وعيد الكفار مَثَّلَ بما يدل على فساد مذهبهم وقُبْحِ طريقتهم، فقال :﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً﴾.
٥٠٧


الصفحة التالية
Icon