قوله :﴿إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ﴾ يجوز أن تكون (ما) مهيئة زائدة على نحو : إنما قام زيدٌ، وأن تكون موصولة، والضمير عائد عليها من " أوتيته " أي إن الذي أوتيته على علم مني، أو على علم من الله في أني أستحق ذلك.
قوله :" بَلْ هِيَ " الضمير للنعمة ذكرها أولاً في قوله :" إنما أوتيته " لأنها بمعنى الإنعام، وقيل : تقديره " شيئاً " وأنَّث هنا اعتبار بلفظها، وقيل : بل الحالة أو الإتيانة، وإنما عظمت هذه الجملة وهي قوله :﴿فَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ﴾ بالفاء والتي في أول السورة بالواو لأن هذه مسببة عن قوله :" وَإذَا ذُكِرَ " أي يشمئزون من ذكر الله ويستبشرون بذكر آلهتهم فإذا مس أحدهم بخلاف الأولى حيث لا تسبب فيها، فجيء بالواو التي لمطلق العطف وعلى هذا فما بين السبب والمسبب جمل اعتراضية.
قال معناه الزمخشري واستبعده أبو حيان من حيث إن أبا عليّ يمنع الاعتراض بجملتين فيكف بهذه الجمل الكثيرة ؟.
ثم قال :" والذي يظهر في الربْط أنه لما قال :﴿وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ الآية كان ذلك إشعاراً بما ينال الظالمين من شدة العذاب وأنه يظهر لهم القيامة من العذاب أتبع ذلك بما يدل على ظلمة وبغيه إذ كان إذا مسه ضر دعا الله فإذا أحسن إليه لم ينسب ذلك إليه " وقال ابن الخطيب : إن السبب في عطف هذه الآية بالفاء أنه تعالى حكى عنهم قبل هذه الاية أنهم يَشمَئِزُّون من سماع التوحيد، ويستبشرون بسماع ذكر الشركاء، ثم ذكر " بفاء " التعقيب أنهم إذا وَقَعُوا في الضرر والبلاء التَجأُوا إلى الله وحده، فكان الفعل الأول مناقضاً للفعل الثاني، فذكر بفاء التَّعْقِيب ليدل به على أنهم واقعون في المناقضة الصحريحة في الحال وأنه ليس بين الأول والثاني : فاصل مع أن كل واحد منهما مناقض للثاني، فهذا فائدةُ ذكرِ فاء التعقيب ههنا وأما الآية الأولى فليس المقصودُ منها بيانَ وقوعهم في التناقض في الحال فلا جرم ذكره تعالى بحرف الواو لا بحرف الفاء.
٥٢٥
ومعنى قوله :﴿فِتْنَةٌ﴾ استدراجٌ من الله تعالى وامتحان.
قوله :﴿قَدْ قَالَهَا﴾ أي قال القولة المذكورة وهي قوله :﴿إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ﴾ لأنها كلمة أو جملة من القول وقرئ : قَدْ قَالَهُ أي هذا القول أو الكلام.
والمراد بالذين من قبلهم قارون وقومه، حيث قال :﴿قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِى ﴾ [القصص : ٧٨] وقومه راضُون به فكأنهم قالوها، ويجوز أن يكون في الأمم الماضية قائلون مثلها.
قوله :﴿فَمَآ أَغْنَى ﴾ يجوز أن يكون " ما " هذه نافية أو استفهامية مؤولة بالنفي وإذا احتجنا إلى تأويلها بالنفي فلنجعلها نافيةً استراحةً من المجاز.
ومعنى الآية ما أغنى عنهم الكفر من العذاب شيئاً.
قوله :﴿فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ﴾ أي جزاؤها يعني العذاب، ثم أوعد كفار مكة فقال :﴿وَالَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ هَـاؤُلاَءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ﴾ ثم قال :﴿وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ أي بفائتين لأن مرجعهم إلى الله - عز وجل -.
قوله :﴿أَوَلَمْ يَعْلَمُوا ااْ أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ﴾ يعني أو لم يعلموا أن الله هو الذي يبسط الرزق تارة ويقبض أخرى، ويدل على ذلك أنا نرى الناس مختلفين في سعة الرزق وضيقه فلا بد لذلك من سبب وذلك السبب ليس هو عقل الرجل وجهله لأنا نرى العاقل القادر في أشد الضيق ونرى الجاهل الضعيف في أعظم السّعة وليس ذلك أيضاً لأجل الطبائع والأنجم والأفلاك لأن في الساعة التي ولد فيها ذلك الملك الكريم والسّلْطَان القاهر قد ولد فيها أيضاً عالم من الناس وعالم من الحيوانات غير الإنسان ويولد أيضاً في تلك الساعة عَالم من الناس وعالم من الحيوانات غير الإنسان ويولد أيضاً في تلك الساعة عَالم من النبات، فلما شاهدنا حدوث هذه الأشياء الكثيرة في تلك الساعة الواحدة مع كونها مختلفة في السعادة والشقاوة علمنا أن الفاعل لذلك هو الله تعالى فصح بهذا البرهان (العقلي) القاطع صحة قوله تعالى :﴿اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ﴾ وقال الشاعر : ٤٣٠٣ - فَلاَ السَّعْدُ يَقْضِي بِهِ المُشْتَري
وَلاَ النَّحْسُ يَقْضِي عَلَيْنَا زُحَلْ
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٥٢٤
وَلَكِنَّهُ حُكْمُ رَبِّ السَّمَا
وَقَاضِي القُضَاةِ تَعَالى وَجَلْ
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٥٢٤