قوله تعالى :﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ الآية تقدم الكلام على هذه الآية في الأنعام وأنها تدل على أن أعمال العباد مخلوقة لله تعالى، وقال الكعبي هنا : إن الله تعالى مدح نفسه بقوله :﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ وليس من المدح أن يخلق الكفر والقبائح فلا يصح احتجاج المخالف به، وأيضاً فلفظة " كل " قد لا توجب العمم لقوله تعالى :﴿وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ [النمل : ٢٣] يريد كل شيء يحتاج الملك إليه أيضاً لو كانت أعمال العباد من خلق اله لما أضافها إليهم بقوله :﴿كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ﴾ [البقرة : ١٠٩] ولما صح قوله تعالى :﴿وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللًّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ﴾ [آل عمران : ٧٨] وقال الجبائي الله خالق كل شيء سوى أفعال خلقه لله لما جاز ذلك فيها الأمر والنهي، واستحقوا بها الثواب والعقاب ولو كانت أفعالهم خلقاً التي صح فيها الأمر والنهي، واستحقوا بها الثواب والعقاب ولو كانت أفعالهم خلقاً لله لما جاز ذلك فيها كما لا يجوز في ألوانهم وصورهم، وقال أبو مسلم : الخلق هو التقدير لا الإيجاد، فإذا أخبر الله أنهم يفعلون الفعل الفلاني فقد قدر ذلك الفعل فصح أن يقال : إنه تعالى خلقه وإن لم يكن موجود له، والجواب عن هذه الوجوه تقدم في سورة الأنعام، وأما قوله :﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ أي الأشياء كلها موكولة إليه فهو القائم بحفظها وتدبيرها من غير مشارك، وهذا أيضاً يدل على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى لأن فعل
٥٣٧
العبد لو وقع بخلق العبد لكان الفعل غير موكول إلى الله تعالى فلم يكن الله وكيلاً عليه ينافي عموم الآية.
قوله :﴿لَّهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ " له مقاليد " جملة مستأنفة، والمقاليد جمع مِقْلاَد أو مقْليد، ولا واحد له من لفظه كأساطير وإخوته، ويقال أيضاً إقليد وهي المفاتيح، والكلمة فارسية معربة.
وفي هذا الكلام استعارة بديعة نحو قولك : بيد فلان مفتاح هذا الأمر، وليس ثم مفتاح، وإنما هو عبارة عن شدة تمكنه من ذلك الشيء.
قال الزمخشري : قيل سأل عثمانُ رسولَ الله - ﷺ - عن تفسير قوله :" له مقاليد السموات والأرض " فقال : يا عثمان ما سألني عنها أحد قبلك تفسيرها لا إله إلا الله، والله أكبر وسبحان الله وبحمده (و) أستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وهو الأول والآخر والظاهر والباطن بيده الخير يحي ويميت وهو على كل شيء قدير.
وقال قتادة ومقاتل : مفاتيح السموات والأرض بالرزق والرحمة، وقال الكلبي خزائن المطر والنبات.
قوله :﴿وَالَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ أُوْلَـائِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ وهذا يقتضي أنه لا خاسر إلا الكافر وأن من لم يكن كافراً فإنه لا بد وأن يحصل له حظ من رحمة الله قال الزمخشري : فإن قلت : بِمَ اتصل قوله " والذين كفروا بآيات الله " بقوله " له مقاليد السموات والأرض " ؟ قلت : إنه اتصل بقوله :﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ﴾ [الزمر : ١٦] أي ينجي الله المتقين بمفازتهم، والذين كفروا هم الخَاسِرون واعترض ما بينهما أنه خالق الأشياء كلها وأنه له مقاليد السموات والأرض.
قال ابن الخطيب : وهذا عندي ضعيف من وجهين : الأول : أن قوع الفصل الكثير بين المعطوف عليه بعيد.
الثاني : أن قوله :﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ﴾ [الزمر : ٦١] (جملة فعلية)، وقوله :{وَالَّذِينَ كَفَرُواْ
٥٣٨