بِآيَاتِ اللَّهِ أُوْلَـائِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} جملة اسمية وعطف الجملة الاسمية على الجملة الفعلية لا يجوز.
قال شهاب الدين : وهذا الاعتراض معترض إذ لا مانع من ذلك.
ثم قال ابن الخطيب : بل الأقرب عند أن يقال : إنه لما وصف الله تعالى بصفات الإليهة والجلالة وهو كونه مالكاً لمقاليد السموات والأرض بأسرها قال بعده :" والذين كفروا بآيات الله " الظاهرة الباهرة هم الخاسرون.
قوله :﴿قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّى أَعْبُدُ﴾ فيه ثلاثة أوجه : أظهرها : أن " غير " منصوب " بأعبد " و " أعبد " معمول " لتأمروني " على إضمار " أنْ " المصدرية، فلما حذفت بطل عملها وهو أحد الوجهين والأصل أفَتَأمُرُونِي بأن أعْبُدَ غير الله ثم قدم مفعول " أعبد " على " تأمروني " العامل في عامله، وقد ضعف بعضهم هذا بأنه يلزم منه تقديم معمول الصلة على الموصول، وذلك أن " غير " منصوب " بأعبد " و " أعبد " صلة " لأن " وهذا لايجوز.
وهذا الرد ليس بشيء لأن الموصول لما حذف لم يراع حكمه فيما ذكر بل إنما يراعى معناه لتصحيح الكلام.
قال أبو البقاء : لو حكمناه بذلك لأفضى إلى حذف الموصول وإبقاء صلته وذلك لا يجوز إلاَّ في ضروة شعر.
وهذا الذي ذكر فيه نَظَرٌ من حيث إنَّ هذا مختصٌّ " بأَنْ " دون سائر الموصولات وهو أنها تحذف ويبقى صلتها وهو منقاس عند البصريين في مواضع تحذف ويبقى علمها وفي غيرها إذا حذفت لا يبقى علمها إلى في ضرورة أو قليل، وينشد بالوجهين (قوله) : ٤٣١٠ - أَلاَ أَيُّهَذَا الزَّاجِري أَحْضُرُ الوَعَى
وأَنْ أَشْهَدَ اللذَّاتِ هَلْ أَنْتَ مُخْلِدِي
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٥٣٧
٥٣٩
ويدل على إرادة " أن " في الأصل قراءة بعضهم :" أَعْبُدَ " بنصب الفعل اعتداداً بأن.
الثاني : أن " غَيْر " منصوب " بتَأْمُرُونيِّ " و " أَعْبُد " بدل منه بدل اشتمال، و " أَنْ " مضمرة معه أيضاً.
والتقدير : أفغَيْر اللَّه تأمرونِّي في عبادته، والمعنى : أفتأمرون بعبادة غير الله.
الثالث : أنها منصوبة بفعل مقدر (تقديره) فتُلْزِمُوني غير الله أي عبادة غير الله، وقدره الزمخشري تعبدونـ(ـي) وتقولون لي أعبده، والأصل : تأمُرُونَيي أن أعبد (فحذفت) أن، ورفع الفعل، ألا ترى أنك تقول : أفغير الله تَقُولُون لي أعْبُدُهُ، وأفغير الله تقولون لي أعبد، فكذلك، أفغير الله تقولون لي أن أعبُدَهُ، وأفغير الله تَأمُرُونِّي أَنْ أَعْبُدَ.
والدليل على صحة هذا الوجه قراءة من قرأ " أَعْبُدَ " بالنصب، وأما " أعبد " ففيه ثلاثة أوجه : أحدهما : أنه مع " أن " المضمرة في محصل نصب على البدل من " إير، وقد تقدم.
الثاني : أنه في محل نصب على الحال.
الثالث : أنه لا محل له ألتة.
قوله :﴿تَأْمُرُونِّى ﴾ قرأ الجمهور " تَأمُرونِّي " بإدغام نون الرفع في نون الوقاية، وفتح الياءَ ابن كثير، وأرسلها الباقون، وقرأ نافع " تأمُرُونِيَ " بنون خفيفة وفتح الياء وابنُ عامر تأمرونَنِي بالفك وسكون الياء، وقد تقدم في سورة الأنعام، والحِجْر،
٥٤٠
وغيرهما أنه متى اجتمع نون الرفع مع نون الوقاية جاز ذلك أوجه وتقدم تحقيق الخلاف في أيتهما المحذوفة.
قال مقاتل : وذلك حين قاله له المشركون : دَعْ دينك واتبع دين آبائك ونؤمن بإلَهك، ونظير هذه الآية :﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً﴾ [الأنعام : ١٤] وتقدم في تلك الآية وجه الحكمة في تقدم المفعول ووصفهم بالجهل لأنه تقدم وصف الإله بكونه خالقاً للأشياء كلها وبكونه له مقاليد السموات والأرض وكون هذه الأصنام جمادات لا تَضُرُّ ولا تنفع فمن أعْرَض عن عبادة الإله الموصوف بتلك الصفات المقدسة الشريقة واشتغل بعبادة الأصنام الخَسيسَة فقد بلغ في الجهل مبلغاً لا مزيدة عليه، فلهذا قال :﴿أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ﴾.
قوله :﴿وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ الذي عملت قبل الشرك، واعلم أن الظاهر (أن) قوله " لَئِنْ أَشْرَكْتَ " هذه الجملة هي القائمة مقام الفاعل لأنها هي الموحاة وأصول البصريين تأبى ذلك، ويقدرون أن القائم مقامه ضمير المصدرلأن الجملة لا تكون فاعلاً عندهم والقائم هنا مقام الفاعل الجار والمجرور وهو " إليكَ " وقرئ ليُحْبِطنَّ - بضم الياء وكسر الباء - أي الله ولنُحْبطَنًَّ بنون العظمة (وليُحْبَطَنّ) على البناء للمفعول و " عملك " مفعول به على القراءتين الأوليين ومرفوع على الثالثة لقيامه مقام الفاعل.
قال ابن الخطيب : واللام الأولى موطئة للقسم المحذوف والثانية لام الجواب.
فإن قيل : كيف أوحي إليه وإلى من قبله حال شركه على التعيين ؟.
فالجواب : تقرير الآية أوحي إليك لئن أشركت ليحبطن عملك وإلى الذين من قبلك مثله أي أوحي (إليك) وإلى كل أحد منهم لئن أشركت كما تقول : كَسَانَا حُلّة : أي كل واحد منا.
فإن قيل : كيف صَحَّ هذا الكلام مع علم الله تعالى أن رسله لا يشركون ولا يحبط أعمالهم.
٥٤١


الصفحة التالية
Icon