قوله :﴿وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا﴾ يريد أن خزنة الجنة يسلمون عليم ويقولون : طبتم قال ابن عباس : طاب لكم المقام.
وقال قتادة : إنهم إذا قطعوا النار حُبسُوا على قَنْطَرة بين الجنة والنار فيقتص بعضهم من بعد حتى إذا هذبوا وطيبوا أُدْخِلُوا الجنة فيقول لهم رضوان وأصحابه : سَلاَمٌ عليكم طبتم فادخلوها خالدين.
وروي عن علي قال : سيقوا إلى الجنة فإذا انتهوا إليها وجدوا عند بابها شجرةً يخرج من تحت ساقها عَيْنَانِ فيغتسل المؤمن من إِحْدَايْهِما فيطهر ظاهره ويشرب منه الأخرى فيطهر باطنه وتتلقاهم الملائكة على أبواب الجنة يقولون :" سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ " فعند ذلك يقول المتقون : الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض أي أرض الجنة وهو قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء : ١٠٥].
قوله :" نَتَبَوَّأُ " جملة حالية و " حَيْثُ " مفعلو به، ويجوز أن تكون ظرفاً على بابها، وهو الظاهر، قال ابن الخطيب : إنما عبر عن أرض الجنة بالأرض لوجوه : الأول : أن الجنة كانت في أول الأمر لآدم - عليه (الصلاة و) السلام - لأنه تعالى قال :﴿وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا﴾ [البقرة : ٣٥] فلما عادت الجنة إلى أولاد آدم كان ذلك سبباً للإرث.
الثاني : أن هذا اللفظ مأخوذ من قول القائل : هذا الذي أورث كذا وهذا العمل أورث كذا.
فلما كانت طاعاتهم قد أفادتهم الجنة لا جَرَمَ قالوا : وأورثنا الأرض، والمعنى أن الله تعالى أورثنا الجنة بأن وفقنا للإتيان بأعمال أَوْبَثتِ الجَنَّةَ.
الثالث : أن الوارث يتصرف فيما يرثه كيف يشاء من غير منازع فكذلك المؤمنون المتقون يتصرفون في الجنة حين شاءوا وأرادوا.
فإن قيل : هل يتبوأ أحدهم مكان غيره ؟.
فالجواب : يكون الكل واحد منهم جنة لا يحتاج معها إلى جنة غيره.
ثم قال تعالى :﴿فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ أي ثواب المطيعين، قال مقاتل : هذا ليس من كلام أهل الجنة بل الله تعالى لما حكى ما جرى بين الملائكة وبين المتقين من صفة ثواب أهل الجنة قال بعده :﴿فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾.
قوله :﴿وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ﴾ حَافّين جمع حَافِّ : وهو المحدق
٥٥٥
بالشيء من حَفَتْتُ بالشيء إذا أحَطْتَ به، قال : ٤٣١٢ - يَحُفُّهُ جَانِبَا نيقٍ وَيُتْبِعُهُ
مِثْلَ الزّجَاجَةِ لَمْ تَكْحَلْ مِنَ الرَّمَدِ
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٥٤٤
وهو مأخوذ من الحِفَاف وهو الجانب قال : ٤٣١٣ - لَهُ لَحَظَاتٌ عَنْ جَفَافَيْ سَرِيرِهِ
إِذَا كَرَّهَا فِيهَا عِقَابٌ وَنَائِلُ
وقال الفراء - وبتعه الزمخشري - ولا واحِدَ لحافّين وكأنهما رأيا أن الواحد لا يكون " حَافًّا " إذ الحفوف هوا لإحداق بالشيء والإحاطة به وهذا لا يتحقق إلا في جمع.
فصل لما ذكر صفة (الثواب) البشر ذكر عقيبه ثواب الملائكة فكما دارُ ثواب المتقين هو الجنة فكذلك دارُ ثواب الملائكة جوانب العرش فقال :﴿حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ﴾ أي محدقين محيطين بالعرش بحافيه أي جوانبه، قال الليث حَفَّ القَوْمُ بسَيِّدِهِمْ يَحُفُّونَ حَفًّا إِذَا طافوا به.
قوله :﴿مِنْ حَوْلِ﴾ في " من " وجهان : أحدهما : وهو قول الأخفش : أنها مزيدة.
والثاني : أنها للابتداء.
٥٥٦
وقوله ﴿يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ " يسبحون " حال من الضمير في " حافين "، قيل هذا تسبيح لتذذ لا تسبيح تعبد، لأن التكليف يزول في ذلك اليوم وهذا يشعر بأن ثوابهم هو عَين ذلك التسبيح.
قوله :﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقّ﴾ هذا الضمير إما للملائكة، وإما للعباد(ة) وَقِيلَ : قضى بين أهل الجنة والنار بالعدل ﴿وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ وقيل : إن الملائكة لما قضى بينهم (بالحق) قالوا : الحمد لله رب العالمين على قضائه بيننا بالحق.
روى أبو أمامة عن أبيّ بن كعب قال : قال رسول الله - ﷺ - (وشرف كرم وبجل ومجد وعظم) :" مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الزُّمَر لَمْ يَقْطَعِ اللَّهُ رَجَاءَهُ وَأعْطَاهُ ثَوَابَ الخَائِفينَ " وعن عاشئة - رضي الله عنها - قالت :" كان رسول اله - ﷺ - يَقْرَأُ كُلَّ ليلة بني إِسْرَائِيلَ والزُّمَر ".
رواهما الثعلبي في تفسيره.
والله (تعالى) أعلم.
٥٥٧
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٥٤٤