قوله تعالى :﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ﴾ ليدل على كمال قدرته وحكمته وأنه لا يجوز
٢١
جعل هذه الأحجار المنحوتة والخشب المصور شركاء لله تعالى في المعبودية، ثم قال ﴿وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَآءِ رِزْقاً﴾ يعني المطر الذي هو سبب الأرزاق.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرٍ " ينزل " خفيفة والباقون بالتشديد.
واعلم أن أهم المُهّمات رعايةُ مصالح الأديان ومصالح الأبدان، فالله تالى يراعي مصالح أديان العباد بإظهار البَيِّنات والآيات وراعى مصالح العباد بأبدانهم بإنزال الرزق من السماء فموقع الآيات من الأديان كموقع الأرزاق من الأبدان وعند حصولها يحصل الإنعام الكامل.
ثم قال :﴿وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ﴾ أي ما يتعظ بهذه الآيات إلا من يرجع إلى الله في جميع أموره فيعرض عن غير الله ويقبل الكليّة على الله تعالى ولهذا قال ﴿فَادْعُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ عن الشرك وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ.
قوله تعالى :" رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ " فيه وجهان : أحدهما : أن يكون مبتدأ والخبر " ذو العرش " و " يُلْقِي الروح " يجوز أن يكون خبراً ثانياً، وأن يكون حالاً، ويجوز أن يكونَ الثلاثة أخباراً لمبتدأ محذوف، ويجوز أن يكون الثلاثة أخباراً لقوله ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ﴾ قال الزمخشري : ثلاثة أخبار يجوز أن تكون مترتبة على قوله ﴿هو الذي يريكم﴾ أو أخبار مبتدأ محذوف وهي مختلفة تعريفاً وتنكيراً، قال شهاب الدِّين : أما الأول ففيه طول الفصل وتعدد الأخبار، وليست في معنى خبر واحد، (وأما الثاني ففيه تعدد الأخبار وليس في معنى واحد) وهي مسألة خلاف ولا يجوز أن كيون " ذُو العَرْشِ " صفة " لِرَفيعِ الدرجات " إن جعلناه صفة مشهبة، أما إذا جعلناه مثال مبالغة أي يرفع درجات المؤمنين فيجوز ذلك على أن يجعل إضافته محضة، وكذلك عند من يُجَوِّزُ تَمَحُّضَ إضافة الصفة المشبهة أيضاً.
وقد تقدم، وقرىء " رَفِيعَ " بالنصب على المدح.

فصل لما ذرك من صفات كبريائه كونه مظهراً للآيات منزلاً للأرزاق ذكر في هذه الآية


٢٢
ثلاثة أخرى من صفات الجلال والعظمة وهو قوله رفيع الدرجات وهذا يحتمل أن يكون المراد منه الرافع وأن يكون المراد منه المرتفع، فإن حملناهُ على الأول ففيه وجوه : الأول : أن الله يرفع درجات الأنبياء والأولياء في الجنة.
والثاني : يرفع درجات الخلق في العلوم والأخلاق الفاضلة فجعل لكل أحد من الملائكة درجةً معيّنة كما قال :﴿وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ﴾ الصافات : ١٦٤]، وجعل لكل أحد من العلماء درجة معينة فقال تعالى :﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة : ١١] وعين لكل جسم درجةً معينة فجعل بعضها سُفْليّة كدرة، وبعضها فلكية كوكبية، وبعضها من جواهر العرش والكرسي، وأيضاً جعل لكل واحد مرتبة معينة في الخَلْقِ والخُلُقِ والرزق والأجل فقال :﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾ [الأنعام : ١٦٥] وجعل لكل أحد من السعداء والأشقياء في الدنيا درجة معينة من موجبات السعادة وموجبات الشقاوة وفي الآخرة تظهر تلك الآثار.
وإن جعلنا " الرفيع " على " المرتفع " فهو سبحانه أرفع الموجودات في جميع صفات الكمال والجلال.
وقوله " ذُو العرْشِ " أي خالقه ومالكه ومدبره، و " يُلْقِي الرُّوح " أي ينزل الوحي من السماء روحاً لأنه تحيا به القلوب كما تحيا الأبدان بالأرواح وقوله " مِنْ أَمْرِهِ " متعلق بـ " يُلْقِي "، و " مِنْ " لابتداء الغاية، ويجوز أن يكون متعلقاً بمحذوف على أنه حَالٌ من " الروح ".

فصل قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ معنى من أمره أي من قضائه، وقيل : من قوله.


وقال مقاتل بأمره على من يشاء من عباده.
وقلوه :﴿لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاَقِ﴾ العامة على بنائه للفاعل، ونصب اليوم والفاعل هو الله تعالى أو الروح أو " مَنْ يَشَاءُ : أو الرسول، ونصب " اليوم " إما على الظرفية والمُنْذَرُ به محذوف تقديره لينذر العذابُ يوم التلاقي، وإما المفعول به اتساعاً في الظرف وقرأ ابيّ وجماعة كذلك إلا أنه رفع اليوم على الفاعلية مجازاً أي لينذر الناس العذاب يوم التلاق.
وقرأ الحسن واليمانيّ " لتنذر " ـ بالتاء من فوق ـ وفيه وجهان : أحدهما : أن الفاعل ضمير المخاطب وهو الرسول ـ ﷺ ـ.
٢٣


الصفحة التالية
Icon