والثاني : أن الفاعل ضمير الروح فِإنها مؤنثة على رأيٍ.
وقرأ اليماني أيضاً " لينذر " مبنياً للمفعول " يوم " بالرفع وهي تؤيد نصبه في قراءة الجمهور على المفعول به اتساعاً.
وأثبت ياء " التلاق " وصلاً ووقفاً ابن كثير، وأثبتها في الوقف دون الوصل من غيلا خلاف ورشٌ، وحذفهنا الباقون وصلاً ووقفاً إلا قَالُونُ، فإنه روي عنه وجهان، وجهٌ كورشٍ، ووجه كالباقين، وكذلك هذا الخلاف بعينه جارٍ في " يَوْم التَّنَادِ ".
وقد تقدم توجيه هنذه الوجيهن في الرَّعْد في قوله :﴿الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ﴾ [الرعد : ٩].
قوله " ﴿يَوْمَ هُم بَارِزُونَ﴾ في " يوم " أربعةُ أوجه : أحدها : أنه بدل من " يوم التلاق " بدل كل من كل.
الثاني : أن ينتصب بالتلاق أي يقع التلاق في يوم بُرُوزِهمْ.
الثالث : أن ينتصب بقوله لا يَخْفَى عَلَى اللهِ (مِنْهُمْ شَيْءٌ) ذكره ابن عطية.
وهذا على أحد الأقوال الثللاثة في " لا " هل يعمل ما بعدها فيما قبلها ؟ ثالثها التفصيل بين أن تقع جواب قسم فيمتنع أو لا فيجوز هذا على قولين من هذه الأقوال.
الرابع : أن ينتصب بإضمار " اذكر " و " يوم " ظرف مستقبل " كإذا ".
وسيبويه لا يرى إضافة الظرف المستقبل إلى الجمل الاسمية والأخفش يراه ولذلك قدر سيبويه في قوله ﴿إِذَا السَّمَآءُ انشَقَّتْ﴾ [الإنشقاق : ١] ونحوه فعلاً قبل الاسم، والأخفش لم يقدرْه، وعلى هذا فظاهر الآية مع الأخفش.
ويجاب عن سيبويه بأن " هُمْ " ليس مبتدأ بل مرفوعاً بفعل محذوف
٢٤
يفسره اسمُ الفاعل، أي يوم برزوا ويكون " بارزون " خبرَ مبتدأ مضمر، فلما حذف الفعل انفصل الضمير فَبَقِيَ كما ترى، وهذا كما قالوا في قوله (ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ) : ٤٣٢٢ـ لَوْ بغَيْرِ المَاءِ حَلْقِي شَرِقٌ
كُنْتُ كالغَصَّانِ بِالمَاءِ اعْتِصَارِي
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٢١
في أَنَّ " حَلْقِي " مرفوعٌ بفعل يفسره " شَرِقٌ " ؛ لأنَّ " لَوْ " لا يليها إلا الأفعال، وكذا قوله (شعرا) ٤٣٢٣ـ......................
إليَّ فَهَلاَّ نَفْسُ لَيْلَى شَفِيعُها
لأنَّ " هَلاَّ " لا يليها إلا الأفعال، فالمفسَّر في هذه المواضع ِأسماء مشتقة وهو نظير : أنا زَيْداً أضَارِبُهُ من حين التفسير، وحركة " يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ " حركة إعراب على المشهور، ومنهم من جوز بناء الظرف وإن أضيف إلى فعلٍ مضارع أو جملة اسمية هعي وهم الكوفيون، وقد وَهَمَ بعضُهم فَحَتَّم بناء الظرف المضاف للجمل الاسمية وقد تقدم أنه لا يبنى عند البصريين إلا ما أضيف إلى (فعل) ما نُصضَّ كقوله : ٤٣٢٤ـ عَلَى حِينَ عَاتَبْتُ........
...........................
٢٥
وتقدم هذا مُسْتَوْفًى في آخر المائدة.
وكتبوا " يَوْمَ " هنا وفي الذاريات منفصلاً، وهو الأصل.
قوله :﴿لاَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ﴾ يجوز أن تكون مستأنفة، وأن تكون حالاً من ضمير " بَارِزُونَ "، وأن تكومن خبراً ثانياً.

فصل قال بعض المفسرين : يوم التلاق هو يوم يلتقي أهلُ السماء وأهل الأرض.


وقال قتادة ومقاتل : يلتقي الخلق والخالق.
وقال بن زيد : يتلاقى العباد.
وقال مَيْمُونُ بْنُ مَهْرَانَ : يلتقي الظالم والمظلوم، وقيل : يلتقي العابد والمعبود، وقيل : يلتقي فيه المرء مع عمله، وقيل : يلتقي الأرواح مع الأجساد، بعد مفارقتها إياها يوم هم بارزون، كناية عن ظهور أعمالهم وانكشاف أسرارهم كما قال تعالى :﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَآئِرُ﴾ [الطارق : ٩].
﴿لا يخفى على الله منهم﴾ أي من أحوالهم شيء ويقول الله سبحانه بعد فناء الخلق " لمن الملك اليوم " فلا يجيبه أحد فيتجيب نفسه فيقول ﴿لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ الذي قهر الخلق بالموت.
فإن قيل : الله تعالى لا يخفى عليه شيء منهم في جميع الأيام فما معنى تقييد هذا العلم بذلك اليوم ؟.
فالجواب : أنهم كانوا يتوهمون في الدنيا أنهم إذا استتروا بالحِيطَان والحُجُب أن الله لا يراهم ويخفى عليه أعمالهم فهم في ذلك اليوم صائرون من البروز والانكشاف إلى حالة لا يتوهمون فيها مثل ما يتوهمونه في الدنيا، كما قال تعالى :﴿وَلَـاكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [فصلت : ٢٢]، وقال تعالى :﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ﴾ [النساء : ١٠٨] وهو معنى قوله :﴿وَبَرَزُواْ للَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [إبراهيم : ٤٨].
فصل قال المفسرون : إذا هلك كل من في السموات ومن في الأرض فيقول الرب تعالى : لِمن الملك اليوم ؟ يعني يوم القيامة، فلا يجيبه أحد، فهو تعالى يجيب نفسه فيقول : لله الواحد القهار، قال ابن الخطيب : قال أهل الأصول هذا القول ضعيف من وجوه :
٢٦


الصفحة التالية
Icon