وأنشد أيضاً قول عمرو بن شُيَيْمٍ : ٤٣٣٤ـ قَدْ يُدْرِكُ المُتأنِّي بَعْضَ حَاجَتِهِ
وَقَدْ يَكُونُ مع المُسْتَعْجِلِ الزَّلَلُ
وقول الآخر : ٤٣٣٥ـ إنَّ الأُمُورَ إذَا الأَحْدَاثُ دَبَّرهَا
دُونَ الشُّيُوخِ تَرَى فِي بَعْضِهَا خَلَلاَ
قال شهاب الدين : ولا أدري كيف فهموا " الكل " من البيتين الأخيرين، وأما الأول ففيه بعض دليل لأن الموت يأتي على الكل.
قال ابن الخطيب : والجمهور على أن هذا القول خطأ قالوا : وأراد لبيدٌ ببعض النفوس نفسه، ومعنى البيت أنه وصف نفسه
٤٢
أنه نَزَّالُ أمكنةٍ أي كثيرُ المنزول في أماكن لا يرضاها إلا أن يربط نفسه الحِمام وهو الموت، وقال اللَّيْثُ : بعض ههنا صلة يُريد يصبكم الذي يعدكم.
لما حكى الزمخشري قول أبي عبيدة أن " بعض " بمعنى " الكل " وأنشد عنه بيت لبيد قال : إن صحت الرواية عنه فقد حق فيه قولُ المَازِنِيِّ في مسألة العَلْقَى : كان أجْفَى من أن يفقه ما أقول له.
قال شهاب الدين : ومسألة المازني معه : هي أن أبا عبيدة قال للمازني : ما أكذب النحويين يقولون هاء التأنيث لا تدخل على ألف التأنيث، فإن الألف في عَلْقَى ملحقة، قال : فقلت له وما أنكرت من ذلك ؟ فقال : سمعت رؤبة يُنْشِدُ : ٤٣٣٦ـ يَنْحَطُّ فِي عَلْقَى.............
....................................
فمل ينونهنا، فقلت : ما واحد علقى ؟ قال : عَلْقَاة، قال المازني : فأَسِفْتُ ولم أفسر له لأنه كان أغلظمن أن يفهم مثل هذا.
قال شهاب الدين : وإنما استغلظه المازني ؛ لأن الألف التي للإلحاق قد تدخل عليها تاء التأنيث (دالة على الوحدة فيقال : أَرْطَى، وأَرْطَامة، وإنما الممتنع دخولها على ألف التأنيث) نحو : دَعْوَى، وصَرْعَى.
وأما عدم تنوين " علقى " فلأنه سمَّى بها شيئاً بعينه، وألف الإلحاق المقصورة حال العلمية تجري مجرى تاء التأنيث فيمتنع الاسم الذي هو فيه كما يمتنع فاطمةُ وينصرفُ قَائِمة.
قوله :﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾ وفيه احتمالان : الأول : أن هذا إشارة إلى الرمز والتعريض بعلو شأن موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ والمعنى أن الله تعالى هدى موسى إلى الإتيان بالمعجزات الباهرة، ومن هداه إلى الإتيان بالمعجزات لا يكون مسرفاً كذَّاباً فدل على أن موسى لي من الكذابينَ.
الاحتمال الثاني : أن يكون المراد أن فرعون مسرفٌ في عزمه على قتل موسى كذابٌ في ادعائه الإلَهيَّة والله لا يهدي من هذا شأنه وصفته بل يُبْطِلُهُ ويَهْدِمُ ِأمره.
٤٣
قوله :﴿يا قَومِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾ اعلم أن مؤمن آل فرعون لما استدل على أنه لا يجوز قتل موسى خوف فرعون وقومه ذلك العقاب الذي توعّدهم به فيوقوله ﴿يصبكم بعض الذي يعدكم﴾ فقال : يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض.
أي أرض مصر يعني قد علوتم الناس وقَهَرْتُمُوهُمْ فلا تفسدوا أمركم على أنفسكم ولا تتعرضوا لعذاب الله بالتكذيب وقتل النبي فإنه لا مانع من عذاب الله إن حلَّ بكم، وإنما قال " يَنْصُرُنَا وَجَاءَنَا " ؛ لأنه كان يظهر أنه منهم وأن الذي ينصحهم به هو مشارك لهم فيه.
قوله " ظَاهِرينَ " حال من الضمير " لكم " والعامل فيها وفي اليوم ما تعلق به " لكم ".
ولما قال المؤمن هذا الكلام قال فرعون :﴿مَآ أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أَرَى ﴾ هي من رؤية الاعتقاد فيتعدى لمفعولين ثانيهما :" إلاَّ مَا أرَى " أي إلا ما أرى لنفسي.
وقال الضحاك : ما أعلمكم إلا ما أعلم.
قوله ﴿وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ العامة على تخفيف الشين، مصدر رَشَدَ يَرْشُدُ.
وقرِأ معاذ بن جبل بتشديدها، وخرجها أبو الفتح وغيره على أنها صفة مبالغة، نحو ضَرَبَ فهو ضَرَّاب، وقال النحاس : هو لحن، وتوهمه من الرباعي يعني أرشد، ورد على النحاس قوله : بأنه يحتمل أن يكون من " رشد " الثلاثي، وهو الظاهر، وقد جاء فعال أيضاً من أفعل وإن كان لا ينقاس، قالوا : أدْرَكَ فَهُوَ دَرَّاك وأجْبَرَ فهو جَبَّار، وأَقْصَرَ فهو قَصَّار، وأَسْأرَ فهو سَئَّار.
ويدل على أنه صفة مبالغة أن معاذاً كان يفسرها بسبيل الله.
قال ابن عطية : ويبعد عندي على معاذ ـ رضي الله عنه ـ وهل كان فرعون يدعي إلا الإلَهيَّةَ ؟ ويعلق بناء اللفظ على هذا التركيب.
قال شهاب الدين يعني ابن عطية أنه
٤٤