أظهرهها : أنه مستأنف.
والثاني : أنه خبر للموصول كما تقدم.
قوله :" قَلْبِ متكبّر " قرأ أبو عمرو، وابن ذَكْوَانَ بتنوين " قَلْبٍ "، وصف القلب بالتكبر والجبروت لأنهما ناشئان منه، وإن كان المراد الجملة، كما وصف بالإثم في قوله :﴿فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ [البقرة : ٢٨٣] وفي قوله :﴿إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ﴾ [غافر : ٥٦] قال بان الخطيب :" وأيضاً قال قوم : الإنسان الحقيقي هو القلب " والباقون بإضافة " قلب " إلى ما بعده، أي كُلِّ قَلْبِ شخصٍ متكبرٍ.
قال أبو عبيد : الاختيار الإضافة، لوجوه : الأول : أن عبدالله قرأ :" على قلب كمل متكبر " وهو شاهد لهذه القراءة.
الثاني : أن وصف الإنسان بالتكبر والجبروت أولى من وصف القلب بهما.
وقد قدر الزمخشري مضافاً في القراءة الأولى، أي على كُلّ ذِي قلبٍ متكبر، فجعل الصفة لصاحبِ القلب.
قال أبو حيان :" ولا ضرورة تدعو إلى اعتقاد الحذف ".
قال شهاب الدين : بل ثَمَّ ضرورة إلى ذلك، وهو توافقُ القراءتين واحداً وهو صاحب القلب بخلاف عدم التقدير، فإنه يصير الموصوف في إحداهما القلب وفي الأخرى صاحبه.
فصل قال الزَّجَّاجُ : قوله :" الذين " تفسير لـ " المسرف المرتاب "، يعني هم الذين يجادلون في آيات الله أي في إبطالها بالتكذيب " بغير سلطان " حجة، " أتاهم "، " كبر مقتاً " أي كبر ذلك الجدال مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا.
ودلت الآية على أنه يجوز وصف الله تعالى بأنه قد مقت بعض عباده، إلا أنها صفة التأويل في حق الله، كالغضب، والحياء، والعجب.
ثم بين أن هذا المقت كما حصل عند الله فكذلك حصل عند الذين آمنوا، قال القاضي : مقت الله إياهم يدل على أن كل فعل ليس بخلق لا أنّ كونه فاعلاً للفعل، وما قاله محال.
٥٢
فصل قد تقدم الكلام في الطبع، والرَّيْنِ، والقَسوة، قال أهل السنة : قوله :﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ﴾ يدل على أن الكل مِنْ عند الله.
وقالت المعتزلة : الآية تدل على أن هذا الطبع إنما حصل، لأنه كان في نفسه متكبراً جباراً.
قال ابن الخطيب : وعند هذا تصيِرُ الآية حجة لكل واحد من الفريقين من وجه، وعليه من وجه آخر، والقول الثاني يخرج عليه رُجْحَانُ مذهبنا، وهو أنه تعالى يخلق دواعي الكبر والرياسة في القلب فتصير تلك الدواعي مانعة من حصول ما يدعو إلى الطاعة، والانقياد لأمر الله، فيكون القول بالقضاء والقدر حقاً، فيكون تعليل القلب بكونه متكبراً متجبراً باقياً، فثبت أن القول بالقضاء والقدر هو ما ينطبق عليه لفظ القرآن من أوله لي آخره.
فصل قال مقاتل : الفرق بين المتكبر، والجبار، أن المتكبر عن قبول التوحيد، والجبار في غير حق.
قال ابن الخطيب : كما السعادة في أمرين : التعظيم لأمر الله، والشفقة على خلق الله فعلى قول مقاتل المتكبر كالمضاد للتعظيم لأمر الله، والجبروت كالمضاد للشفقة على خلق الله.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٣٦
قوله :﴿وَقَالَ فَرْعَوْنُ يا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً﴾...
الآية.
قال المفسرون : إن فرعون قال لوزيره هامان : ابْنِ لي صرحاً، والصرح : البناء الظاهر الذي لا يخفى على الناظر، وإن بعُدَ.
وأصله من التَّصريح، وهو الإظهار ﴿لَّعَلِّى أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ﴾ طُرُقها.
فإن قيل : ما فائدة هذا التكرير ؟ ولو قيل : لَعَلِّي أبلغ أسباب السموات كان كافياً ؟ فاجاب الزمخشري عنه فقال :" إنه إذا أبهم الشيء، ثم أوضح كان تفخيماً لشأنه، فلما أراد تفخيم السموات أبهمها ثم أوضْحَهَا ".
٥٣