قوله :﴿وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ﴾، قرىء :" زَيَّنَ " مبنياً للفاعل، وهو الشيطان، وتقدم الخلاف في " صد عن السبيل " في الرعد، فمن بناه للفاعل حذف المفعول أي صد قومه عن السبيل، (وهو الإيمان).
قالوا : ومِنْ صَدِّه قوله :﴿فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ﴾ [طه : ٧١]، ويدل على ذلك قوله تعالى :﴿الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [محمد : ١] وقوله :﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [الفتنح : ٢٥] وابن وثاب :" وصِدَّ " بكسر الصاد، كأنه نقل حركة الدال الأولى إلى فاء الكلمة بنعد توهم سلب حركتها، وقد تقدم ذلك في نحو : ردَّ، وأنه يجوز فيه ثلاث لغات الجائزة في قِيلَ وبِيعَ، وابن إسحاق وعبد الرحمن بن أبي بكرة : وَصَدٌّ ـ بفتح الصاد، ورفع الدال منونة ـ جعله مصدراً منسوقاً على " سُوءُ عَمَلِهِ "، أي زين له الشيطان سُوءَ العَمَلِ والصَّدَّ، ﴿وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ﴾ أي وما كيده في إبطال ما جاء به موسى إلا في خسارة وَلاَكٍ.
والتَّبَابُ الخِسَارة، وعقد تقدم في قَوْلِهِ " غَيْرَ تَتْبِيبٍ ".
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٥٣
قوله تعالى :﴿وَقَالَ الَّذِى آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ أي طريق الهدى ﴿يا قَوْمِ إِنَّمَا هَـاذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ﴾ أي متعةٌ تنتفعون بهنا مرة ثم تنقطع ﴿وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ﴾ التي لا تزول، ثم قال :﴿مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـائِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ تقدم ا االخلاف في قوله :" يدخلون الجنة " في سورة النساء.
وقال مقاتل : لا تبعة عليهم فيما يُعْطَوْنَ في الجنة من الخيرات.
واختلفوا في تفسير قوله :" بِغَيْرِ حِسَابٍ " فقيل : لما كان لا نهاية لذلك الثواب قيل : بغير حساب، وقيل : لأنه تعالى معطيهم ثواب آبائِهِمْ، ويضم إلى ذلك الثواب من التفضيل ما يخرج من الحساب واقع في مقابلة :" إلاّ مثلها " يعني أن جزاء السيئة له حساب وتقدير، لئلا يزيد على الاستحقاق فأما جزاء العمل الصالح فبغير تقدير وغير حساب، وهذا يدل على أن جانب الرحمة والفضل راجحٌ على جانب العقاب، فإذا عارضنا عُمُومَاتِ الوَعِيدِ بعُمُومَاتِ الوَعْد وجب أن يكون الترجيحُ لجانبِ عُمُومَاتِ الوعد، وذلك يهدم قواعد المعتزلة.
فصل احتج أهل السنة بهذه الآية، فقالوا : قوله :﴿وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً﴾ نكرة في معرض الشرط في جانب الإثبات فجَرَى مَجْرَى أن يقال :" من ذكر كلمة أو من خطا خطوة فله كذا " فإنه يدخل فيه أنّ من آمن بتلك الكلمة أو بتلك الخطوة مرة واحدة فكذلك ها هنا
٥٧