قوله تعالى :﴿وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ﴾ في العامل في " إذْ " ثلاثةُ أوجه : أحدها : أنه معطوف على " غُدُوًّا " فيكون معمولاً ليُعْرَضُونَ أي يعرضون على النار في هذه الأوقات كلها قاله أبو البقاء.
الثاني : أنه معطوف على قوله " إذِ القُلُوبُ لَدَى الحَنَاجِرِ " قاله الطبري.
وفيه نظر ؛ لبُعْد مابينهما، ولأن الظاهر عودُ الضمير من " يَتَحَاجُّونَ " إلى آل فرعون.
الثالث : أنه منصوب بإضمار اذكر.
قوله :" تبعاً " فيه ثلاثة أوجه : أحدهما : أنه اسم جَمْع لِتَابع، ونحوه : خَادِم وخَدَمٌ، وغَائبٌ وغَيَبٌ وآدمٌ وأَدَمٌ.
قال البغوي : والتَّبَعُ يكون واحداً وجَمعاً في قولن أهل البَصْرة، واحده تابع.
وقال الكوفيون : هو جمع لا واحد له و جمعه أتباع.
والثاني : أنه مصدر واقع موقع اسم الفاعل أي تابعين.
والثالث : أنه مصدر أيضاً ولكن على حذف مضاف أي ذَوِي تَبَعٍ.
قوله :" نَصِيباً " فيه ثلاثةُ أوجه : أحدهما : أن ينتصب بفعل مقدر به عليه قوله :" مُغْنُونَ " تقديره : هل أنتم دَافِعُونَ عَنَّا.
الثاني : أن يُضَمَّن مُغْنُونَ معنى حَامِلينَ.
الثالث : أن ينتصب على المصدر، قال أبو البقاء : كَما كَانَ " شَيءٌ " كذلك، ألا ترى إلى قوله :﴿لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئاً﴾ [آل عمران : ١٠] " فَشَيْئاً " في موضع " غِنًى " فكذلك " نصيباً " و " من النار " صفة لـ " نصيباً ".
٦٤
قوله :﴿إِنَّا كُلٌّ فِيهَآ﴾ العامة على رفع " كُلٌّ " ورفعه على الابتداء و " فِيهَا " خبره والجملة خبر " إنَّ "، وهذا كقوله في آل عمران :﴿قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ﴾ [آل عمران : ١٥٤]، في قراءة أبي عمرو.
وقرأ ابن السّميْقَع وعيسى بْنُ عُمَرَ بالنصب، وفيه ثلاثةُ أوجه : أحدها : أن يكون تأكيداً لاسم إن، قال الزمخشري : توكيد لاسم إن، وهو معرفة، والتنوين عوض من المضاف إليه، يريد : إنا كًُلَّنَا فيها انتهى، يعني فيكون " فيها " هو الخبر، وإلى كونه توكيداً ذهب ابْنُ عطيةَ أيضاً.
ورد ابن مالك هذا المذهب فقال في تَسْهِيلِهِ :" ولا يستغني بنية إضافته خلافاً للزمخشري ".
قال شهاب الدين :" وليس هذا مذهباً للزمخشري وحده بل هو منقول عن الكوفيين أيضاً ".
والثاني : أن تكون منصوبة على الحال، قال ابن مالك : والقول المَرْضِيُّ عندي أنّ " كُلاًّ " في القراءة المذكورة منصوبة على الحال من الضمير المرفوع في " فِيهَا " و " فيها " هو العامل ؛ وقد قدمت عليه مع عدم تصرفه، كما قدمت في قراءة مَنْ قَرَأَ :﴿وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ﴾ [الزمر : ٦٧].
وفي قول النَّابِغَةِ : ٤٣٤٢ـ رَهْطُ ابْنِ كُوزٍ مُحْقِبِي أدْرَاعِهِمْ
فِيهِمْ وَرَهْطُ رَبِيعَة بْنِ حُذَارِ
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٦٤
وقال بعض الطائيين : ٤٣٤٣ـ دَعَا فَأَجَبْنَا وَهْوَ بَادِيَ ذِلَّة
لَدَيْكُمْ وَكَانَ النَّصْرُ غَيْرَ بَعِيدِ
٦٥
يعني بنصب " بادي ".
وهذا هو مذهب الأخفش، إلا أن الزمخشري منع من ذلك، قال ـ رحمه الله ـ : فَإن قُلْتَ : هل يجوز أن يكون " كلاًّ " حالاً، قد عمل فيهِ " فيها " ؟ قُلْتُ : لا ؛ لأن الظرف لا يعمل في الحال متقدمةً كما يعمل في الظرف متقدماً، تقول : كُلَّ يَوْمٍ لَكَ ثَوْبٌ، ولا تقول : قائماً في الدَّارِ زَيْدٌ، قال أبو حيان : وهذا الذي منعه أجازه الأخفش، إذا توسعت الحال، نحو : زيدٌ قائماً في الدار، وزيد قائماً عندك.
والمثال الذي ذكره ليس مطابقاً لما في الآية ؛ لأن الآية تقدم فيها المسند إليه الحكم وهو اسم إن، وتوسطت الحال إذا قلنا : إنها حال، وتأخر العامل فيها.
وأما تمثيله بقوله :" ولا تقول قائماً في الدَّارِ زيْد " فقد تأخر فيه المسند والمسند إليه، وقد ذكر بعضهم : أن المنع في ذلك إجماع من النحاة.
قال شهاب الدين : الزمخشري منعه صحيح ؛ لأنه ماشٍ على مذهب الجمهور وأما تمثيله بما ذكر فلا يضره ؛ لأنه في محل المنع، فعدم تجويزه صحيح.
الثالث : أن " كُلاًّ " بدل من " نَا " في " إنَّا " ؛ لأن " كُلاًّ " قد وَليَت العَوامِلَ فكأنه قيل : إنّ كُلاًّ فيها وإذا كانوا قد تأولوا قوله : ٤٣٤٤ـ........................
..................
حَوْلاً أَكْتَعَا
و " حَوْلاً أجْمَعَا " على البدل مع تصرف أكْتَعَ وأجْمَعَ ؛ فلأن ذلك في " كّلّ " أولى وأجدى.
وأيضاً فإن المشهور تعريف " كُلّ " حال قطعها، حكي في الكثير الفَاشِي : مررت بكُلِّ قائماً وبِبَعْضٍ جالساً، وعزاه بعضهم لسيبويه.
وتنكير " كل " ونصبها حالاً في غاية الشذوذ، نحو :" مَرَرْتُ بِهِمْ كُلاًّ " أي جميعاً.
فإن قيل : فيه بدل الكل من الكل في ضمير الحاضر وهو لا يجوز.
٦٦
أجيبَ بوجهين : أحدهما : أن الكوفيين والأخفش يرون ذلك وأنشدوا قوله : ٤٣٤٥ـ أَنَا سَيْفُ العِشِيرَةِ فَاعْرِفُونِي
حميداً قَدْ تَذَرَّيْتُ السِّنَامَا


الصفحة التالية
Icon