غالب أوقاتهم يقولون : منصوب " باذْكُرْ " مقُقَدَّراً، أو لا يكون حينئذ إلا مفعولاً به لاستحالة عمل المستقبل في الزمن الماضي.
وجوز أن يكون منصوباً باذْكُرْ مقدراً، أي اذكر لهم وَقْتَ الإِغلال ؛ ليخالفوا ويَنْزَجِرُوا، فهذه ثلاثة أوجه خيرها أوسطها.
قوله :" والسَّلاَسِلُ " العامة على رفعها، وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه معطوف على الأغْلاَلِ.
وأخبر عن النوعين بالجار، فالجال في نية التأخير والتقدير : إذ الأَغْلاَلُ والسَّلاَسِلُ في أعنقاهم.
الثاني : أنه مبتدأ، والخبر محذوف لدلالة خبر الأول عليه.
الثالث : أنه مبتدأ أيضاً، وخبره الجملة من قوله :" يُسْحَبُونَ " ولا بُدَّ مِن ذكر ضمير يعود عليه منها، والتقدير : والسلاسل يُسْحَبُونَ بِهَا، حذف لِقُوَّة الدَّلالةِ عليه.
" فَيُسْحَبُونَ " مرفوع المحل على هذا الوجه.
وأما الوجهيه المقتدمين فيجوز فيه النصب على الحال من الضمير المنويّ في الجار، ويجوز أن يكون مستأنفاً.
وقرأ ابنُ عَبَّاسٍ وابنُ مسعُودٍ وزَيْدُ بْنُ عَلِيِّ وابْنُ وَثَّابٍ، والحسن في اختياره " والسَّلاَسِلَ " نصباً ـ يَسْحَبُونَ بفتح الياء، مبنياً للفاعل، فيكون السلاسل مفعولاً مقدماً، ويكون قد عطف جملة فعلية على جملة اسمية.
قال ابن عباس في معنى هذه القراءة : إذا كانوا يَجُرُّونَهَا فهو أشد عليهم يكلفون ذلك ولا يطيقونه.
وقرأ ابن عباس وجماعة " والسَّلاَسِل " بالجر يُسْحَبُونَ مبنياً للمفعول وفيها ثلاثةُ تأويلاتٍ : أحدها : الحمل على المعنى وتقديره إِذْ أَعْنَاقُهُم في الأغلالِ والسلاسلٍ فلما كان
٨٣
معنى الكلام على ذلك حمل عليه في العطف.
قال الزمخري : ووجه إنه لو قيل :" إِذْ أَعْنَاقُهُمْ في الأغلال مكان قوله : إِذ الأَغْلاَلُ في أعناقهم " لكان صحيحاً مستقيماً، فلما كانتا عبارتين مُعْتَقِبَتَيْنِ، حمل قوله :" والسلاسل " (عليه) على العبارة الأخرى.
ونظيره : ٤٣٤٧ـ مَشَائِيمُ لَيْسُوا مُصْلِحينَ عَشِيرةً
وَلاَ نَاعِبٍ إلاَّ بِبَيْنٍ غُرَابُهَا
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٨١
كأنه قيل : بمصليحن.
وقرىء : بالسَّلاَسلِ.
وقال ابن عطية : تقديره : إذا أعناقهم في الأغعلال والسلاسلِ فعطف على المراد من لكلام لا على ترتيب اللفظ ؛ إذ ترتيبه فيه قل، وهو على حد قول العرب : أَدْخَلْتُ القَلَنْسُوَةَ فِي رَأْسِي.
وفي مصحف أًُبيِّ : وفي السلاسِل يَسْحَبُونها.
قال أبو حيان بعد قول ابن عطية والزمخشري المتقدم : ويمسى هذا العطف على التوهم، إلا أن قولهم : إدخال حرف الجر على مصلحين أقرب من تغيير تركيب الجملة بأسرها، والقراءة من تغيير تركيب الجملة السابقة بأسرها، ونظير ذلك قوله : ٤٣٤٨ـ أَجِدَّكَ لَنْ تَرَى بثُعَيْلبَاتٍ
وَلاَ بَيْدَاءَ نَاجِيَةً ذَمُولاَ
وَلاَ مُتَدارِكٍ واللَّيْلُ طِفْلٌ
بِبعْضِ نَوَاشِغِ الوَادِي حُصًُولاً
التقدير : لَسْتَ براءٍ ولا بمتداركٍ.
٨٤
وهذا الذي قالاه سبقهما إليه الفَرَّاءُ فإِنه قال :" من جر السلاسل حمله على المعنى "، إذ المعنى أعناقهم في الأغلال والسلاسل.
الوجه الثاني : أنه عطف على " الحميم "، فقدم على المعطوف عليه وسيأتي تقرير ذلك.
الثالث : أن الجر على تقدير إضمار الخافض ويؤيده قراءة أُبَيٍّ :" وفِي السَّلاَسِلِ " وقرأ غيره : وبالسَّلاَسِلِ وإلى هذا نحا الزجاج، إلاَّ أنَّ الأنباريِّ ردَّه وقال : لو قلت :" زيد في الدار " لم يحسن أن تضمر " في " فتقول : زيد (في) الدار ثم ذكر تأويل الفراء وخرج القراءة عليه.
ثم قال : كما تقول :" خَاصَمَ عَبْد اللهِ زَيْداً العَاقِليْنِ "، بنصب " العاقلين " ورفعه ؛ لأن أحدهما إذا خاصم صاحبه فقد خاصمه الآخر.
وهذه المسألة ليست جارية على أصول البصريين، ونصّوا على منعها وإنما قال بها من الكوفيين ابْنُ (سَـ)ـعْدَانَ.
وقال مَكيّ : وقد قرىء : والسَّلاَسلِ بالخفض على العطف على الأعناق، وهو غلط ؛ لأنه يصير الأغلال في الأعناق وفي السلاسل ولا معنى للأغلال في السَّلاَسل ؟ قال شهاب الدين : وقوله : على العطف على الأعناق ممنونع بل خفضه على ما تقدم.
وقال أيضاً : وقيل : هو معطوف على " الحميم " وهو أيضاً لا يجوز ؛ لأن المعطوف المخفوض، لا يتقدم على المعطوف عليه لو قلت :" مَرَرْتُ وَزَيْدٍ بِعَمْرو " لم يجز، وفي المرفوع يجوز، نحو : قَام وَزَيْدٌ عَمْرٌ، ويبعد في المنصوب لا يحسن رأيتُ وَزَيْداً عَمْراً، ولم يُجِزْهُ في المخفوض أحدٌ.
قال شهاب الدين : وظاهر كلامه أنهن يجوز في المرفوع منعه، وقد نصوا أنه لا يجوز إلا ضرورة بثلاثة شروط :
٨٥
أن لا يقع حرف العطف صدراً، وأن يكون العامل متصرفاً، وأن لا يكون المعطوف عليه مجروراً وأنشدوا : ٤٣٤٩ـ........................
عَلَيْكِ وَرَحْمَةُ اللهِ السَّلاَمُ
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٨١