فأما الكسر فهو صفة على " فَعِلٍ " وفعلُهُ :" فَعِلَ " بكسر العين أيضاً كفِعْلِهِ ؛ يقال : نَحِسَ فهو نَحِسٌ، كَفَرِحَ، فهُو فَرِحٌ، وأَشِرَ فهو أَشِرٌ، ومعناه نكدات مَشْئُوماتٌ ذاتُ نُحُوسٍ.
وأمال اللَّيثُ من الكسائيِّ ألفه لأجل الكسرة، ولكنه غير مشهور عنه حتى نسبه الدَّانيُّ للوهم وأما قراءة الإسكان فتحتمل ثلاثة أوجهٍ : أحدها : أن يكون مخفف من " فَعِل " في القراءة المتقدمة وفيه توافق القراءتين.
الثاني : أنه مصدر وصف به كرجُلٍ عَدْلٍ، إلا أنَّ هذا يضعفه الجمعُ، فإن الفصيحَ في المصدر الموصوف (به) أن يوحَّد وكأنَّ المُسوِّغَ للجمع اختلافُ أنواعه في الأصل.
الثالث : أنه صفة مستقلة على " فَعْل " بسكون العين ولكن أهل التصريف لم يذكروا في الصفة الجائية من " فَعِل " بكسر العين إلا أوزاناً محصورة ليس فيه " فَعْل " بالسكون فذركوا : فَرِحَ فهو فَرِحٌ وحوز فهو أحْوَرُ، وشَبع فهو شَبْعَانُ، وسَلِمَ فهو سَالِمٌ، وبلي فَهُو بالٍ.
وفي معنى " نحسات " قولان : أحدهما : أنها من الشّؤم، قال السدي أي مشائيم من النحس المعروف.
والثاني : أنها من شدة البرد وأنشدوا على الأول قولَ الشاعر : ٤٣٦٠ـ يَوْمَيْنِ غَيْمَيْنِ وَيَوْماً نَحْسَا
نَجْمَيْنِ سَعْدَيْنِ وَنَجْماً نَحْسَا
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ١٢٠
١٢١
وعلى المعنى الثاني : ٤٣٦١ـ كَأَنَّ سُلاَفَةً عُرِضَتْ لِنَحْسٍ
يُحِيلُ شَفِيفُهَا المَاءَ الزًُّلاَلاَ
ومنه : ٤٣٦٢ـ قَدْ أَغْتَدِي قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ
للصَّيْدِ فِي يَوْمِ قَلِيلِ النَّحْسِ
وقيل : يريدُ به في هذا البيت الغبار، أي قليل الغبار.
وقد قيل بذلك في الآية إنها ذات غبار.
و " نَحِسَات " نعت لأيَّام، والجمع بالألف والتاء مُطَّرِدٌ في صفة ما لايعقل كأيَّام معدوداتٍ كما تقدم تحقيقه في البقرة (اللَّهُمَّ يَسِّرْ).

فصل الصَّرْصَر : العاصفة التي تُصَرْصِرُ في هُبُوبِهَا ؟.


روي عن عبدالله بن عَبَّاسٍ ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال : الرِّياح ثمانٍ، اربعٌ منها عذاب وهي العاصف، والصرصر، والعقيم، والعاصفة، واربع منها رحمة، وهي : الناشرات، والمُبَشِّرات، والمُرْسَلاَت، والذَّارياتت.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن الله تعالى ما أرسل على عباده من الريح إلا قدر خَاتَمِي.
وقال الضحاك : أمسك الله عنهم المطر ثلاث سنين، وتوالت الرياح عليهم من غير مَطَرٍ.
فصل استدلَّ الأَحكَامِيُّون من المُنَجِّمِينَ بهذه الآية على أن بعض الأيام يكون نحساً وبعضها سعداً وأجاب المتكلمون بأن المراد بهذه الحسنات أي ذات غبار وتراب ثائر، لا يكاد يُبْصَرُ فيه ولا يُتَصَرَّف فيه، وقالوا أيضاً : معنى كون هذه الأيام نَحِسَاتٍ أن الله أهلكهم فيها.
وأجاب الأحكاميون بأن الأحكام في وضع اللغة هي المشئومات لأن
١٢٢
النحس مقابلة السعد، والهواء الكدر يقابله الصافي.
وأيضاً فإنه تعالى أخبر عن إيقاع ذلك العذاب في تلك الأيام النحسات، فوجب أن كون تلك الأيام نَحِسَةً مغايارً لذلك الذاب الذي وقع فيها.
قوله :﴿لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ أي عذاب الهوان والذل مقابل لذلك الاستكبار ﴿وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ﴾ أي لا يكون لهم ناصر يدعف عنهم ذلك الخزي.
قوله تعالى :﴿وَأَمَّا ثَمُودُ﴾ الجمهور على رفعه، ممنوع الصرف.
والأعمش وابن وثَّاب مصروفاً، وكذلك كل ما في القرآن إلا قوله :﴿وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ﴾ [الإسراء : ٥٩]، قالوا لأن الرسم ثمود بغير ألف.
وقرأ ابن عباس وابنُ أبي إسحاق والأعمش ـ في روايةٍ ـ ثموداً منصوباً مصروفاً.
والحسنُ وابن هرمزٍ وعاصم أيضاً منصوباً غير منصرف.
فأما الصرف وعدمه فقد تقدم توجيههما في " هُودٍ ".
وأما الرفع فعلى الابتداء والجملة بعده الخبر، وهو متعيّن عند الجمهور لأن " أَمَّا " لا يليها إلا المبتدأ، فلا يجوز فيما بعدها الاشتغال إلا في قليل كهذه القراءة، وإذا قدرت الفعل الناصب فقدِّره بعد
١٢٣


الصفحة التالية
Icon