والثاني : أن يكون " ظَنُّكُمْ " بدلاً، والموصول خبره، و " أَرْدَاكُمْ " حال أيضاً.
الثالث : أن يكون الموصول خبراً ثانياً.
الرابع : أن يكون " ظنكم " بدلاً أو بياناً، والموصول هو الخبر، و " أرْدَاكُمْ " خبر ثاني.
الخامس : أن يكون ظنكم والموصول والجملة من " أرْداكم " أخباراً إلا أن أبا حيان ردَّ على الزمخشري قوله :" وَظَنُّكُمْ وَأَرْدَاكُمْ " خبران قال : لأن قوله " وَذلِكُمْ " إشارة إلى ظنهم السابق فيصير التقدير : وظنكم بربكم أنه لا يعلم ظنكم بربكم فاستفيد من الخبر ما استفيد من المبتدأ وهو لا يجوز وهذا نظير ما منعه النحاة من قولك : سَيِّد الجارية مالكها.
وقد منع ابن عطية كون " أَرْدَاكُمْ " حالاً، لعدم وجود " قد ".
وتقدَّمم الخلاف في ذللك.
فصل قال المفسرون : وذلك ظنكم الذي ظننتم بربكم أي ظنكم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون أرادكم أهلككم.
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : طرحكم ف يالنار ﴿فأصبحتم من الخاسرين﴾ وهنذا نص صريح في أن من ظن أنه يخرج شيء من المعلومات عن علم الله فإنه يكون من الهالكين الخاسرين.
قال المحققون : الظن قسمان : أحدهما : حسن، والآخر : فاسد.
فالحسن أن يظن بالله عز وجل الرحمة والفضل والإحسان، قال عليه الصلاة والسلام حكايةً عن الله عز وجل :" أنَا عِنْدَ ظَنِّّ عَبْدِي بي " وقال عليه الصلاة والسلام :" لاَ يمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلاَّ وهُوَ حَسَنُ الظَّنِّ بالله ".
والظن القبيح أن يظن أنه تعالى أنه يعرب عن علمه بعض الأحوال.
وقال قتادة :
١٢٩
والظن نوعان : مُنْجِي ومُرْدِي فالمنجي قوله :﴿إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ﴾ [الحاقة : ٢] وقوله :﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ﴾ [البقرة : ٤٦] والمردي هو قوله ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ﴾.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ١٢٦
قوله تعالى :﴿فَإِن يَصْبِرُواْ فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ﴾ أي سكن لهم، يعني إن أمسكوا عن الاستغاثة لفرجٍ يتنظرونه لم يجدوا ذلك وتكون النار مثوى لهم أيم مقاماً لهم.
قوله :﴿وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ﴾ العامة على فتح الياء من " يَسْتَعْتِبُوا " وكسر التاء الثانية مبنياً للفاعل ﴿فما هم من المعتبين﴾ بكسر التاء اسم الفاعل ومعناه وإن طلبوا العُتْبَى وهي الرضا فما هم ممن يعطاها.
والمعتب الذي قبل عتابه وأجيب إلى ما سأل، يقال : أعتبني فلانٌ، أي أرضاني بعد إسخاطه إيَّاي، وا ستعتبته طلبتمنه أن يعتب أي يرضى.
وقيل : المعنى وإن طلبوا زوال ما يعتبون فيه فماهم من المجابين إلى إزالة العتب.
وأصل العتب المكان النَّائي بنازله، ومنه قيل لأسكفَّة الباب والمرقاة : عتبة، ويعبر بالعتب عن الغلظة التي يجدها الإنسان في صدره على صاحبه، وعتبت فلاناً أبرزت له الغلظة، وأعتبته أزلت عبتاه كأشكيته وقيل : حملته على العتب.
وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد : وإن يُستعتبوا مبنياً للمفعول فما هم من المُعْتِبِينَ اسم فاعل بمعنى إن يطلب منهم أن يرضوا فما هم فاعلون ذلك، لأنهم فارقوا دار التكليف، وقيل : معناه أن يطلب ما لا يعتبون عليه فما هم ممَّن يريد العُتْبَى وقال أبو ذؤيب : ٤٣٦٣ـ أَمِنَ المَنُونِ وَرَيْبِهِ تَتَوَجَّعُ
والدَّهْرُ لَيْسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ
١٣٠
قوله :" وَقَيَّضْنَا لَهُمْ " بعثنا لهم وولكنا، وقال مقاتل : هَيَّأْنَاهُ.
وقال الزجاج : سينالهم وأصل التقييض التيسير والتهيئة، قضيته للداء هيأته له ويسّرته، وهذان ثوبان قيِّضان أي كل منهما مكافىء للآخرة في الثمن.
والمقايضة المعارضة، وقوله ﴿نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً﴾ [الزخرف : ٣٦] أي نسهل ونيسر ليستولي عليه استيلاء القَيْض على البَيْض.
والقيض في الأصل قشر البيض الأعلى.
قال الجوهري : ويقال : قايضت الرجل مقايضة أي عاوضته بمتاع، وهما قيضان كما يقال : بيعان.
وقيَّض الله فلاناً لفلان أي جاء به ومنه قوله تعالى :﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ﴾ و المراد بالقرناء النظراء من الشياطين حتى أضلونهم ﴿فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ من أمر الدنيا حتى أثروه على الآخر " وَمَا خَلْفَهُمْ " من أمر الآخرة فدعوهم إلى التكذيب وإنكار البعث.
وقال الزجاج : زينوا (لهم ماب ين أيديهم من أمر الآخرة أنَّه لا بعث ولا جنة ولا نار، وما خلفهم من أمر الدنيا وأن الدنيا قديمة، ولا صانع إلا الطبائع والأفلاك.
وقيل : مابين أيديهم أعمالهم التي يعملونها وما خلفهم ما يعزمون أن يعملوه.
وقال ابن زيد : مابين أيديهم ما مضى من أعمالهم الخبيثة (وما بقي من أعمالهم الخسيسة)).
فصل دلت هذه الآية على أنه تعالى يريد الكفر من الكافر ؛ لأنه تعالى قيَّض لهم قرناء
١٣١