في المائدة.
و " مِنْ حَكِيم " صفة " لتنزيل " أو متعلق به و " الباطل " اسم فاعل، وقيل : مصدر كالعاصِفةِ والعاقِبةِ.
فصل لما بلغ في تهديد المُلحدين في آيات القرآن أتبعه تعظيم القرآن فقال :﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ﴾ قال الكلبي عن أبن عباس ـ رضي الله عنهم ـ : أي كريم على الله.
وقال قتادة : أعزة الله تعالى لا يجد الباطل إليه سبيلا.
قال قتادة والسدي : الباطل هو الشيطان لا يستطيع أن يغيره أو يزيل فيه أو ينقص منه.
وقال الزجاج : معناه أنه محفوظ من أن يُنْقَصُ منه فيأتيه الباطل من بين يديه أو يُزَادُ فيه فيأتيه الباطل من خلفه، وعلى هذا فمعنى الباطل هو الزيادة والنقصان.
وقال مقاتل : لا يأتيه التكذيب من الكتب التي قبله، ولا يأتي بعده كتاب فيُبطلُهُ (و) قال الزمخشري هذا تمثيل والمقصود أن الباطل لا يتطرطُ إليه ولا يجد إليثه سبيلاً من جهة من الجهات حين يصل إليه.
فصل اعلم أنَّ لأبي مسلم الأصفهاني أن يحتج بهذه الآية على أنه لم يوجد النسخ فيه ؛ لأن النسخ إبطال، فلو دخل النسخ فيه لكان قد أتاه الباطل من خلفه وهذا خلاف الآية.
ثم قال :﴿تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ أي حكيم في جميع أفعاله حميد إلى جميع خلقه بسبب كثرة نعمه.
قوله تعالى :﴿مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ﴾....
الآية لما هدَّ الملحدين في آيات الله ثم بين شرف آيات الله وعلو درجة كتاب الله تعالى رجع إلى أمر رسوله بأن يصبر على أذى قومه، وأن لا يضيق قلبه بسبب ما حكاه عنهم في أول السورة وهو قولهم :﴿قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ﴾ [فصلت : ٥] إلى قوله :﴿فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ﴾ [فصلت : ٥] فقال :﴿ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك﴾ أي إنهم قالوا للأنبياء قبلك : ساحرٌ، وكذبوهم
١٤٧
كما كُذِّبت.
وقيل : المراد ما قال لك إلا مثل ما قال لسائر الرسل وهو أنه أمرك وأمرهم بالصبر على سفاهة الأقوام.
قوله :﴿إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةَ﴾ قيل : هو مفسر للمقول كأنه قيل : قيل للرسل إن ربك لذو مغفرة وقيل : هو مستأنف ومعناه لذو مغفرة لمن تاب وآمن بك، وذُو عِقَابٍ أليمٍ لمن أصر على التكذيب.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ١٤٤
قوله :﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ﴾ أي جعلنا هذا الكتاب الذي يقرؤه على الناس قرآناه أعجميًّا بغير لغة العرب ﴿لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ﴾ أي هلا بينت آياته بالعربية حتى نفهمها.
قوله :" أَأَعْجَمِيٌّ " قرأ الأخوان وأبو بكر بتحقيق الهمزة، وهشام بإسقاط الأولى، والباقون : بتسهيل الثانية بَيْنَ بَيْنَ.
وأما المدّ فقد عرف حكمه من قوله :﴿أَأَنذَرْتَهُمْ﴾ [البقرة : ٦] في أول الكتاب.
فمن استفهم قال معناه أكتاب أعجمي ورسول عربي ؟ وقيل : ومرسل إليه عربي ؟ وقيل : معناه بعضه أعجمي وبعضه عربي ؟ ومن لم يثبت همزة الاستفهام فيحتمل أنه حملها لفظاً وأرادها معنى، وفيه توافق القراءتين، إلا أن ذلك لاي يجوز عند الجمهور إلا إذا كان في الكلام " أم " نحو : بِسَبْعٍ رَمَيْنَ الجَمْرَ أَمْ بِثَمَانِ.
١٤٨
فإن لم يكن " أم " لم يجز إلا عند الأخفش.
وتقدم ما فيه.
ويحتمل أن يكون جعله خبراً محضاً ويكون معناه : هلا فُصِّلت آياتُهُ فكان بعضها أعجمياً يفهم العجم وبضعه عربياً يفهمه العرب.
والأعجمي من لا يفصح، وإن كان من العرب وهو منسوب إلى صفته، كأحمريّ، ودوّاريّ ؛ فالياء فيه للمبالغة في الوصف وليس فيه حقيقياً.
وقال الرازي في لوامحه : فهو كياء كُرْسيّ وبختيّ.
وفرق أبو حيان بينهما فقال : ليست كياء كُرسيّ، فإنَّ ياء كرسيِّ وبختيّ بُنِيَت الكلمة عليها بخلاف ياء " أعْجَمِيٍّ " فإنهم يقولون : رجلٌ أعجم وأَعجميٌّ.
وقرأ عمرو بن ميمونٍ أعَجميّ بفتح العين ـ وهو منسوب إلى العجم ـ والياء فيه للنسب حقيقة، ويقال : رجلٌ عجميّ وإن كان فصحياً.
وقد تقدم الفرق بينهما في سورة الشعراء.
وفي رفع أعجمي ثلاثة أوجه : أحدهما : أنه مبتدأ والخبر محذوف تقديره أعجمي وعربي يستويان.
والثاني : أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو أي القرآن أعجمي والمرسل به عربيٌّ.
والثالث : أنه فاعل فعل مضمر، أي أيستوي عجميٌّ وعربيٌّ.
إذ لا يحذف الفعلُ إلا في مواضع تقدم بيانها.
فصل قال المفسرون : هذا استفهام على وجه الإنكار، لأنهم كانوا يقولون : المُنزَّلُ عليه عربي، والمُنَزَّلُ أعجمي وذلك أن رسول الله ـ ﷺ ـ كان يدخل على يسار غلام
١٤٩


الصفحة التالية
Icon