سورة الشورى
مكية وهي ثلاث وخمسون آية، وثمانمائة وست وستون كلمة، وثلاثة آلاف وخمسمائة وثمانون حرفا.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ١٦٠
قوله تعالى :" حم عسق " تقدم الكلام في أمثال هذه الفواتح.
وسئل الحُسينُ بنُ الفضل : لم قطع حم عسق ولم يقطع كهيعص فقال : لأنها سور أوائلها " حم " فجرت مجرى نظائرها.
كأنَّ " حم " مبتدأ " عسق " خبره، ولأنهما عدا آيتين وأخواتها مثل : كهيعص، والمص والمر عدت آية واحدة.
وقيل : لأن أهل
١٦١
التأويل لم يختلفوا في كهيعص، وأخواتها، لأنها حروف التهجي لا غير.
واختلفوا في " حم " فأخرجها بعضهم من حيِّز الحروف، وجعلها فعلاً.
وقيل : معناه حُمَّ أي قضي ما هو كائن.
روى عكرمة عن ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ أنه قال :" ح " حلمه " م " مجده " ع " عمله، " س " سناؤه، " ق " قدرته أقسم الله بها.
وقال شهرُ بن حوشب وعطاءُ بن أبي رباح :" ح " حرب يعِزُّ فيها الذليل ويذلُّ فيها العزيز من قريش " م " ملكُ يتحول مِنْ قوم إلى قوم " ع " عدوٌّ لقريش يقصدهم " س " سبيٌ يكون فيهم " ق " قُدرةُ الله النافذة في خلقه ؛ ورُوِيَ عن ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ أنه قال : ليس من نبي صاحب كمتاب إلا وقد أوحيت إليه حم عسق فلذلك قال : يُوحى إليك وإلى الَّذِين من قبلك وعلى هذا فقوله ﴿اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ تبيين للفاعل كأنه قال : من يوحي ؟ فقيل : الله العزيزُ الحيكم كما سيأتي.
وقرأ ابنُ عباس وابنُ مسعود حمَ سَق.
قوله :" كَذَلِكَ يُوحِي " القراء على يوحي بالياء من أسفل مبنيًّا للفاعل، وهو الله تعالى، والعزيز الحكيم نعتان، والكاف منصوبة المحل إما نعتاً لمصدر، أو حالاً من ضميره، أي يوحي إيحاءً مثل ذلك الإيحاء.
وقرأ ابن كثير ـ وتُرْوَى عن أبي عمرو ـ يُوحَى ـ بفتح الحاء مبنياً للمجهول ـ وفي القائم مقام الفاعل ثلاثة أوجه : أحدها : ضمير مستتر يعود على كذلك، لأنه مبتدأ، والتقدير مثلُ ذلك الإيحاء يُوحَى هو إليك.
" فمِثْلُ ذَلِك " مبتدأ، و " يُوحَى إِلَيْكَ " خبره.
الثاني : أن القائم مقام الفاعل " إليك " والكاف منصوبة المحل على الوجهين المقتدمين.
الثالث : أن القائم مقامه الجملة من قوله " اللهُ العزيزُ " أي يُوحى إليك هذا اللفظُ.
وأصول البصريين لا تساعد عليه ؛ لأن الجملة لا تكون فاعلةً ولا قائمةً
١٦٢
مقامه.
وقرأ أبو حيوة والأعمش وأبان نُوحي ـ بالنون ـ وهي موافقة العامة.
ويحتمل أن تكون الجملة من قوله :﴿اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ منصوبة المحل مفعولة بنُحي أي نُوحِي إليك هذا اللفظ، إلا أنَّ فيه حكاية الجملة بغير القول الصريح.
و " يُوحِي " على اختلاف قراءته يجوز أن يكون على بابه من الحال والاستقبال فيتعلق قوله :﴿وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ﴾ بمحذوف لتعذر ذلك تقديره :" وأُحِي إلى الذَّين من قَبْلِكَ " وأن يكون يكون بمعنى الماضي، وجيء به على صورة المضارع لغرضٍ وهو تصوير الحال.
قوله :" اللهُ العَزيزُ " يجوز أن يرتفع بالفاعلية في قراءة العامة، وأن يرتفع بفعل مضمر في قراءة ابن كثير كأنه قيل : من يوحيه ؟ فقيل : اللهُ العزيزُ، كقوله تعالى :﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ﴾ [النور : ٣٦، ٣٧] وقوله :
٤٣٧٠ـ لِيُبْكَ يَزِيدُ ضَارعٌ لِخُصُومَةٍ
وقد مرَّ.
وأن يرتفع بالابتداء، وما بعده خبره، والجملة قائمة مقام الفاعل على ما مر، وأن يكون " العَزِيزُ الحَكِيمُ " خبرين، أو نعتين، والجملة من قوله :﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾ خبر أول أو ثانٍ على حسب ما تقدم في " العَزِيزِ الحَكِيم ".
وجوَّز أبو البقاء يكون " العَزِيزُ " مبتدأ، و " الحكيم " خبره، أو نعته و ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾ خبره.
وفيه نظر ؛ إذا الظاهر تبعيَّتُها للجلالة.
وأنت إذا قلت :" جَاءَ زَيْدٌ العَاقِلُ الفَاضِلُ " لا تجعل العامل مرفوعاً على الابتداء.
١٦٣
فصل الكاف في " كَذَلِكَ " معناه المثل و " ذَا " للإشارة إلى شيء سبق ذكره فيكون المعنى مثل حم عسق يوحي إليك وإلى الذين من قبلك، وعند هذا حصل قولان : أحدهما : ما نقل عن ابن عباس (رضي الله عنهما) أنه قال : لا نبي صابح كتاب إلا وقد أوحي إليه حم عسق كما تقدم.
قال ابن الخطيب :" وهذا عندي بعيد ".
والثاني : أن يكون مثل الكتاب المسمى بحم عسق يوحى إليك وإلى الذين من قبلك، وهذه المماثلة المراد منها المماثلة في الدعوة إلى التوحيد والنبوة والمعاد، وتقبيح أحوال الدنيا، والترغيب في أمور الآخرة.
قال الزمخشري : لم يقل : أُوحِيَ إليك ولكن قال : يوحى إليك على لفظ المضارع ليدل على أن أيحاء مثله عادة وكونه عزيزاً بدل على كونه قادراً على ما لانهاية له وكونه حكيماً يدل على كونه عالماً بجميع المعلومات غنياً عن جميع الحاجيات كما تقدم بيناه في أول سورة " حم " المؤمن.
وقوله :﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ يدل على كونه موصوفاً بالقدرة الكاملة النافذة في جميع أجواء السموات والأرض على عظمها وسعتها بالإيجاد والإعلام وأن ما في السموات وما في الأرض ملكه وملكه، وهو العَلِيّ أي المتعالي عن مُشابهةِ المُمْكِنَات العظيم بالقدرة والقهر والاستعلاء.
قوله تعالى :﴿تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ﴾ تقدم الكلام فيه مُشْبعاً في مريم، وإلا أن الزمخشري زاد هنا وروى يونس عن أبي عمرو قراءةً غريبةً تتفطَّرن بتاءين مع النون.
ونظيرها حرف نادر، رُوِيَ في نوادر ابن الأعرابي :" الإِبل تتشمَّمْنَ ".
١٦٤