ويجوز أن يكون الخبر مقدراً تقديره منهم فريق.
وساغ الابتداء بالنكرة لشيئين : تقديم خبرها جار ومجروراً ووصفها بالجار بعدها، والثاني : أنه خبر ابتداء مضمر إي هم أي المجموعون، دَلَّ على ذلك يوم الجمع.
وقرأ زيدٌ بن عليٍّ : فريقاً وفريقاً، نصباً على الحال من جملة محذوفة أي افتَرَقُوا أي المجموعون.
وقال مكي : وأجاز الكسائي والفراءُ النصب في الكلام في " فريقاً " على معنى : تُنذر فريقاً في الجنة وفريقاً في السعير يوم الجمع وكأنه لم يطلع على أنها قراءة.
وظاهر نقله عن هذين الإِمامين أنهما لم يطلعا (عليها) وجعل " فريقاً " مفعولاً أول لتنذر، " ويوم الجمع " مفعولاً ثانياُ.
وفي ظاهره إشكالٌ وهو أنَّ الإنذار لا يقع للفريقين وهما في الجنة وفي السعير إنما يكون الإنذار قبل استقرارهما فيهما.
ويمكن أن يُجَابَ عنه بأن المراد مَنْ هو من أهل الجنة ومن أهل السعير، وإن لم يكن حاصلاً فيهما وقت
١٦٩
الإنذار، و " فِي الجَنَّةِ " صفة " فَرِيقاً " أو متعلق بذلك المحذوف.
فإن قيل : يوم الجمع يقتضي كون القوم مجتمعين، والجمع بين الصنفين محال!.
فالجواب : أنهم يجتمعون أولاً ثم يصيرون فريقين.
قوله تعالى :﴿وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ قال ابن عباس (ـ رضي اللهُ عَنْهُمَا ـ) على دين واحدٍ وقال مقاتل : على ملة الإسلام، كقوله :﴿وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى ﴾ [الأنعام : ٣٥] ﴿وَلَـاكِن يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ﴾ أي في دين الإسلام " والظَّالِمُونَ " الكافرون ﴿مَا لَهُمْ مِّن وَلِيٍّ﴾ يرفع عنهم العذاب " وَلاَ نَصِير " يمنعهممن النار وهذا تقرير لقوله تعالى :﴿حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ﴾ أي أنت لا تقدر أن تحملهم على الإيمان فلو شاء الله لفعله ؛ لأنه أقدر منك، ولكنه جعل البعض مؤمناً والبعض كافراً.
قوله تعالى :﴿أَمِ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ﴾ أم هذه (هي) أم المنقطعة فتقدر ببل التي للانتقال وبهمزة الإنكار، أو بالهمزة فقط.
واعلم أنه تعالى لما حكى عنهم أولاً أنهم اتخذوا من دونه أولياء ثم يقال بعده لمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ : لَسْتَ عَلَيْهمْ بِوَكِيلٍ أي لا يجب عليك أن تحملهم على الإيمان فإن الله لو شاء لفعله أعاد ذلك الكلام على سبيل الاستنكار.
ثم قال :﴿فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ﴾، قال ابن عباس ـ (رضِيَ اللهُ عَنْهُمَا) : وليك يا محمد، وولي من اتبعك، والفاء جواب شرط مقدر كأنه قال : إنْ أَرَادُوا أولياء بحق فاللهُ هو الوليّ، لاَ وليَّ سواه ؛ لأنه يحيي الموتى ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فهو الحقيق بأن يتخذ ولياً دون من لا يقدر على شيء قاله الزمخشري.
وقيل : الفاء عاطفة ما بعدها على ما قبلها.
قوله تعالى :﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ وجه النظم أنه تعالى كما منع الرسول ـ ﷺ ـ أن يحمل الكفار على الإيمان قهراً فكذلك منع المؤمنين أن يشرعوا معهم في الخُصُوماتِ والمنازعات فقال :﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ﴾ (من شيء) من أمر الدين فحكمه إلى الله يقضي فيه ويحكم يوم القيامة بالفصل الذي يُزيل الرَّيب، وقيل :
١٧٠
وما اختلفتُم فيه من شيء وتنازعتم فتحاكموا فيه إلى رسول الله ـ صلى لله عليه وسلم ـ ولا يُؤْثروا حكومة غيره على حكومته.
وقيل : ما وقع بينكم فيه خلاف من الأمور التي لا يصل تكليفكم ولا ط ريق لكم إلى علمه، فقولوا الله أعلم كما قال تعالى :﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ [الإسراء : ٨٥].
قوله :﴿فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ إما أن يكون المراد فحكمه مستفاد من نص الله عليه، أو المراد فحكمه مستفاد من القياس على مان نص الله عليه، والثاني باطل، لأنه يقتضي كون كل الأحكام مثتبة بالقياس وأنه باطل فتعين الأول، فوجب كون كل الأحكام مثبتة بالمعنى، وذلك ينفي العمل بالقياس.
فإن قيل : لايجوز أن يكون المراد فحكمه معروف من بيا الله تعالى سواء كان ذلك البيان بالنص أو القياس ؟.
فالجواب : أن المقصود من التحاكم إلى الله قطع الاختلاف والرجوع إلى القياس يقوي حكم الاختلاف ولا يوضحه فوجب أن يكون الواجب هو الرجوع إلى نص الله تعالى.
قوله :﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ﴾ أي الذي يحكم بين المختلفين ﴿رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ﴾ في رفع كيد الأعداء وفي طلب كُل خير ﴿وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ أي أرجع إليه في كل المهمات، وهذا يفليد الحصر أي لا أتوكل إلا عليه.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ١٦١
قوله تعالى :﴿فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.
١٧١


الصفحة التالية
Icon