قوله تعالى :" فاطر " العامة على رفعه خبراً " لذلكم "، أو نعتاً " لربي " على محض إضافته و " عليه توكلت " معترض على هذا، أو مبتدأ خبره " جعل لكم " أو خبر مبتدأ مضمر أي هو.
وقرأ زيد بن على " فاطِر " بالجر، نعتاً للجلالة في قوله :" إلَى اللهِ " وما بينهما اعتراض أو بدل من الهاء في " عَلَيْهِ " أو " إلَيْهِ ".
وقال مكيُّ : وأجار الكسائي النصب على البدلِ، وقال غيره : على المدح ويجوز في الكلام الخفض على البدل من الهاء كأنه لم يطلع على أنها قراءة زيد بن علي.
قوله :﴿جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْواجاً﴾ قيل : معناه : جعل لكم من أنفسكم أزواجاً أي مثل خلقكم، وأزواجاً أي حلائل، وقيل معنى من أنفسكم أي خلق حوّاء نم ضِلع آدم، ﴿وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْواجاً﴾ أي أصنافاً ذكوراً وإناثاً.
قوله :﴿يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ﴾ أي يكثركم.
وقوله :" فيه " يجوز أن تكون " في " عَلَى بَابها، والمعنى يكثركم في هذا التدبير، وهو أن يجعل الناس والأنعام أزواجاً حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد.
والضمير في " يذرأكم " للمخاطبين والأنعام، إلا أنه غلب فيه العقلاء من وجهين : أحدهما : أن غلب فيه جانب العقلاء على غير العقلاء.
الثاني : أنه غلب جانب المخاطبين على الغائبين.
قال الزمخشري : وهي من الأحكام ذات العلَّتين.
قال أبو حيان : وهو اصطلاح غريب يعني أن الخطاب يغلب على الغيبة إذا اجتمعا.
ثم قال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى يذرأكم في هذا التدبير وهلا قيل : يذرأكم به ؟ قلت : حعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير، ألا تراك تقول للحيوان في خلق الأزواج تكثير، كما قال تعالى :﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ [البقرة : ١٧٩].
وقيل : إنها للسببيّة كالباء أي
١٧٢
يكثركم بسببه، والضمير يعود على الجعل أو للمخلوق.
وقيل : يذرأكم فيه أي يخلقكم في الرحم.
وقيل : في البطن.
قوله :﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ في هذه الآية أوجه : أشهرها : أن الكاف زائدة في خبر ليس، و " شيء " اسمها، والتقدير : ليس شيءٌ مثله.
قالوا : ولولا ادعاء زيادتها للزم أن يكون له مثل، وهو محال ؛ إذ يصير التقدير على أصالة الكاف : ليبس (مِثْلَ) مثله شيء فنفى المماثلة عن مثله، فثبت أن له مثلاً لا مثل لذلك المثل، وهذا محال تعالى الله عن ذلك.
وقال أبو البقاء : لو لم تكن زائدة، لأفضى ذلك إلى المحال ؛ إذ كان (يكون) المعنى أن له مثلاً وليس لمثله مثل، وفي ذلك تناقض ؛ لأنه إذا كان له مثل فلمثله مثل وهو هو، مع أن إثبات المثل لله تعالى محال.
وهذه طريقة حسنة في تقرير زيادة الكاف، وفيها حسن صناعةٍ.
الثاني : أن " مثل " هي الزائدة كزيادتها في قوله تعالى :﴿بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ﴾ [البقرة : ١٣٧] قال الطبريُّ : كما زيدت الكاف في قوله :
٤٣٧٢ـ وَصَالِيَاتٍ كَكَمَا يُؤَثْفِينْ
١٧٣
وفي قوله :
٤٣٧٣ـ فَصُيِّرُوا مِثْلَ كَعَصْفٍ مَأْكُول
وهذا ليس بجيد، لأن زيادة الأسماء ليست بجائزة، وأيضاً يصير التقدير : ليس كهو شيء.
ودخول الكاف على الضمائر لا يجوز إلا في شعر.
الثالث : أن العرب تقول :" مِثْلُكَ لاَ يَفْعَلُ كَذَا " يعنون المخاطب نفسه ؛ لأنهم يريدون المبالغة في نفي الوصف عن المخاطب فينفونها في اللفظ عن مثله، فثبت انتفاؤها عنه بدليلها ومنه قول الشاعر ـ (رحمة الله عليه) ـ : ٤٣٧٤ـ عَلَى مِثْلِ لَيْلَى يَقْتُلُ المَرْءُ نَفْسَهُ
وَإِنْ بَاتَ مِنْ لَيْلَى عَلَى النَّاسِ طَاوِيَا
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ١٧١
وقال أوس بن حجر : ٤٣٧٥
ـ ولَيْسَ كَمِثْلِ الفَتَى زُهَيْر
خَلْقٌ يُوَازِيهِ فِي الفَضَائِلِ
وقال آخر : ٤٣٧٦ـ وَقَتْلَى كَمِثْلِ جُذُوعِ النَّخِيلِ
تَغَشَّاهُمُ مُسْبِلٌ مُنْهَمِرْ
١٧٤
وقال آخر : ٤٣٧٧ـ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ إذَا أَبْصَرْتَ فَضْلَهُمُ
فَمَا كَمِثْلِهِم في النَّاس مِنْ أَحَدِ


الصفحة التالية
Icon