على الملة الحنيفية، " واسْتَقِمْ " عليها (أي على الدين الذي أمَرَكَ به) كما أمرك الله ﴿وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ﴾ المختلفة الباطلة.
والثاني : أنها للعلة، أي لأجل التفرق والاختلاف ادع للدين القيم ﴿آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ﴾ أي بأيِّ كتابٍ صحَّ أن الله أنزله يعني الإيمان بجميع الكتب المنزلة.
قوله :﴿وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ﴾ يجوز أن يكون التقدير : وأمرت بذلك لأعدل بينكم في الحكم، وقيل : أمِرْتُ أنْ أَعْدِلَ، فاللم مزيدة.
وفيه نظر لأنك بعد زيادة ا االلام تحتاج إلى تقدير حرف أي بأن أعدل.
فصل قال القفال : معناه أن ربي أمرني أن لا أفرق بين نفسي أو أنفسكم بأن آمركم بما لا أعلمه أو أخالفكم إلى ما لا أنهاكم عنه، لكني أسوي بينكم وبين نفسي كذلك أسوي بين : أكابركم وأصاغركم في الحكم.
وقيل معناه : لا أضيف عليكم بأكثر مما أفترض الله عليكم من الأحكام.
قوله :﴿اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾ يعني إلهنا واحد، وإن ختلفت أعمالنا، فكلُّ يُجازَى بعمله، " لا حجَّة "، لا خصومة، " بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ".
نسختها أية القتال، وإذا لم يؤمر بالقتال وأمر بالدعوة لم يكن بينه وبين من لا يجيب خصومة.
قال ابن الخطيب : ومعنى الآية أنه إله الكل واحد، وكل واحد مخصوص بعمل نفسه، فوجب أن يشتغل كل واحد في الدنيا بنفسه فإن الله تعالى يجمع بين الكل يوم القيامة ويجازيه على عمله.
فإن قيل : كيف يليق بهذه المتاركة ما فعل بهم من القتل وتخريب البيوت وقطع النخيل والإجلاء ؟ ! فالجواب : هذه المتاركة كانت مشروطة بشرط أن يقبلوا الدين المتفق
١٧٩
على صحته بين كل الأنبياء ودخل فيه التوحيد، وترك عبادة الأصنام والإقرار بنبوة الأنبياء وبصحة البعث والقيامة فلمَّا لم يقبلوا هذه الدين فات الشَّرط فيفوت المشروط.
واعلم أن قوله تعالى :﴿لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ﴾ يجرى مجرى محاجَّتهم، بدليل أن هذا الكلام مذكور في معرض المحاجَّة، فلو كان المراد من هذه الآية تحريم المحاجة لزم كونها محرمةً لنفسها، وهو متناقض.
وأيضاً لولا الأدلة لما توجه التكليف، وأيضاً : أن الدليل يفيد العلم وذلك لا يمكن تحريمه بل المراد أن القوم عرفوا بالحجة صدق محمد ـ ﷺ ـ.
وإنما تركوا تصديقه عناداً فبين تعالى أنه حصل الاستغناء عن محاجَّتهم ؛ لأنهم عرفوا صدقه، ولا حاجة معهم إلى المحاجَّة ألبتة.
ومما يقوي عدم تحريم المحاجة قوله :﴿وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل : ١٢٥] وقوله :﴿قَالُواْ يا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا﴾ [هود : ٣١] وقوله :﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ آتَيْنَاهَآ إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ﴾ [الأنعام : ٨٣].
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ١٧١
قوله :﴿وَالَّذِينَ يُحَآجُّونَ﴾ (مبتدأ، و " حجتهم " ) مبتدأ ثانٍ و (داحضة) خبر الثاني، والثاني وخبره خبر الأول.
وأعرب مكيٌّ : حجتهم بدلاً من الموصول بدل اشتمال والهاء في " لَهُ " تعود على الله تعالى، أو على الرسول ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ أي من بعد ما استجاب الناس لله أو من بعد ما استجاب الله لرسوله حين دعا على قومه.
وقال ابن الخطيب : يعود على " الدين " أي من بعد ما استجاب النَّاس لذلك الدين.
فصل المعنى والذين يخاصمون في دين الله نبيَّه.
وقال قتادة : هم اليهود، قالوا كتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم، فنحن خيرٌ منكم، فهذه خصومتهم من بعد ما استجاب له الناس، فأسلموا ودخلوا في دينه لظهور معجزته " حجتهم داحِضةٌ " خصومتهم باطلة " عِنْدَ رَبِّهِمْ " قال ابن الخطيب : تلك المخاصمة هي أن اليهود قالوا : ألستم تقولون إن الأخذ بالمتفق عليه أولى بالأخذ من المختلف فيه فنبوة موسى ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ وحقيقة التوراة معلومة بالاتفاق، ونبوة محمد ـ ﷺ ـ ليست متفقاً عليها فوجب الأخذ باليهودية، فبين تعالى فساد هذه الحجة، وذلك لأن اليهود أجمعوا على أنه إنما وةجب الإيمان بموسى ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ لأجل ظهور المعجزات على قوله وهاهنا نظهرت المعجزات على وفق قول محمد ـ ﷺ ـ، واليهود شاهدوا تلك المعجزات، فإن كان ظهور المعجزة يدل على الصدق فهاهنا يجب الاعتراف بنبوة محمد ـ ﷺ ـ وإن كان لا يدل على الصدق وجب في حق موسى أن لا يقروا بنوته بظهور المعجزات ؛ لأنه يكون متناقضاً، ولما قرر (الله تعالى) هذه الدلائل خوف المنكرين بعذاب القيامة فقال :﴿وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ في الآخرة.
قوله تعالى :﴿اللَّهُ الَّذِى أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ﴾ قال قتادة ومجاهد ومقاتل : سمي العدل ميزاناً ؛ لأن الميزان آلة للإنصاف والتسوية.
قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ أمر الله تعالى بالوفاء ونهى عن البخس.
١٨١