لدين ضلالتهم لهم كما قال إبراهيم ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ :﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ﴾ [إبراهيم : ٣٦].
قال المفسريون : يعني كفار مكة أأي لهم آلهة سنوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله.
قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ شرعوا لهم ديناً غير دين الإسلام.
قوله :﴿وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الْفَصْلِ﴾ أي لولا القضاء السابق بتأخير الحزاء أو لولا الوعد بأن الفصل يكون بينهم يوم القيامة " لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ " أي بين الكافرين والمؤمنين، أو بين المشركين وشركائهم.
قوله :" وإنَّ الظَّالِمِينَ " العامة بكسر " إن " على الاستئناف ومسلم بن بجنوب والإعرج بفتحها عطفاً على كلمة الفصل.
وفصل بين المتعاطفين بجواب " لولا "، تقديره : ولولا كلمة واستقرار الظالمين في العذاب لَقَضِي بينهم في الدنيا.
وهو نظير قوله :﴿وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى﴾ [طه : ١٢٩].
ثم إنه تعالى ذكر أحوال أهل العقاب وأحوال أهل الثواب.
أما الأول فهو قوله :﴿تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ﴾ أي ترى المشركين يوم القيامة خائفين وجَِلِينَ " مِمَّا كَسَبُوا " من السيئات، ﴿وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ﴾ أي جزاء كسبهم واقع سواء أشفقوا أو لم يشفقوا.
وأم الثاني ـ وهو أحوال أهل الثواب ـ فهو قوله :﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ﴾ قال أبو حيان : اللغة الكثيرة تسكين واو " رَوْضَات "، ولغة هذيل فتح الواو إجراء لها مُجْرَى الصحيح نحو : جَفَنَات.
ولم يقرأ أحد فيما علمناه بلغتهم.
قال شهاب الدين : إن عنى لم يقرأ أحد بلغتهم في هذا الباب من حيث هو فليس كذلك ؛ لما تقدم في سورة النور أن الأعمش قرأ :" ثَلاَثُ عَوَرَاتٍ " ـ بفتح الواو ـ وإن عَنَى أنه لم يقرأ في روضات بخصوصها فقريب، لكن ليس هو ظاهر عادته.
١٨٦
فصل اعلم أن روضة الجنة أطيب بقعةٍ فيها، وفيه تنبيه على أن الفسَّاق من أهل الصلاة كلهم من أهل الجنة ؛ لأنه خص الذين آمنوا وعملوا الصالحات بأنهم في روضات الجنَّات، وهي البقاع الشَّريفة كالبقاع التي دون تلك الروضات، لا بد وأن تكون مخصوصة بمن كانوا دونن الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
ثم قال :﴿لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ وهذا يدل على أن تلك الأشياء حاضرة عنده مهيَّأة.
والعندية مجاز و " عِنْدَ رَبِّهِمْ " يجوز أن يكون ظرفاً " لِيَشَاءُونَ ".
قاله الحوفي، أو للاستقرار العامل في " لهم " قال الزمخشري.
ثم قال :﴿ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ وهذا يدل على أنَّ الجزاء المرتب على العمل إنما حصل بطريق الفضل من الله تعالى لا بطريق الوجوب والاستحقاق.
قوله تعالى :﴿ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ﴾ كقوله :" كالَّذِي خَاضُوا ".
وقد تقدم تحقيقه.
وتقدمت القراءات في يُبَشِّرُ.
وقرأ مجاهدٌ وحُمَيْدُ بنُ قَيْسٍ : يُبْشِرُ ـ بضم الياء وسكون الباء وكسر الشين ـ من أَبْشَرَ منقولاً من بَشِرَ بالكسر لا من بَشَرَ بالفتح ؛ لأنه متعدٍّ والتشديد في " بشر " للتكثير لا للتعدية، لأنه متعد بدونها.
ونقل أبو حيان قراءة يَبْشُرُ بفتح الياء وضم الشين عن حمزة والكسائي (أي) من السَّبعة، ولم يذكر غيرهما من السبعة، وقد وافقهما على ذلك ابن كثير وأبو عمرو.
و " ذلك " مبتدأ، والموصول بعده خبره، وعائده محذوف على التدريج
١٨٧
المذكور كقوله " كالَّذِي خَاضُوا " أي يُبَشِّرُ بِهِ، ثم يُبَشِّرُهُ على الاتساع.
وأما على رأي يونُس فلا يحتاج إلى عائد ؛ لأنها عنده مصدرية وهو قول الفراء أيضاً، أي ذلك تبشير الله عباده.
وذلك إشارة إلى ما أعده الله تعالى لهم من الكرامة.
وقال الزمخشري : أو ذلك التبشير الذي يبشِّره الله عباده.
قال أبو حيان : وليس بظاهر ؛ إذ لم يتقدم في هذه السورة لفظ البشرى ولا ما يدل عليها من " بَشَّر " أو شبهه.
فصل هذه الآيات دالة على تعظيم حال الثواب من وجوه : الأول : أن الملك الذي هو أعظم الموجودات وأكرمهم إذا رتب على أعمال شاقة جزاءً، دل ذلك على أن ذلك الجزاء قد بلغ إلى حيث لا يعلم كُنْهَهُ إلاَّ الله تعالى.
الثاني : أن قوله تعالى :﴿لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ﴾ يدخل في باب غير المتناهي ؛ لأنه لا درجة إلا والإنسان يريد ما هو أعلى منها.
الثالث : أنه تعالى قال :﴿ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ والذي يحكم بكبره من له الكبرياء والعظمة على الإطلاق يكون في غاية الكبر.
واعلم أنه تعالى لما أوحى إلى محمد ـ ﷺ ـ هذا الكتاب الشريف، وأودع فيه أقسام الدلائل والتكاليف ورتبه على لطاعة والثواب وأمره بتبليغه إلى الأمة أمره بأن يقول إني لا أطلب منكم بسبب هذا التبليغ نفعاً حاضراً فقال :﴿قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾.
في الاستثناء قولان : أحدهما : أنه منقطع ؛ إذ ليست المودة من جنس الأجر.
١٨٨


الصفحة التالية
Icon