والثاني : أنه متصل، أي لا أسألكم عليه أجراً إلا هذا وهو أن تودُّوا أهل قرابتي ولم يكن هذا أجراً في الحقيقة ؛ لأن قرابتهم وكانت صلتهم لازمةً لهم في المودة.
قاله الزمخشري.
وقال أيضاً : فإن قلت : هلا قيل : إلاَّ مودَّة القربى، أو إلا المودة للقربى ؟ ! قلت : جعلوا مكاناً للمودة ومقراً لها، كقولك : في آل فلان مودة وليست " في " صلة المودة، كاللام إذا قلت : إلا المودة للقربى، إنما هي متعلقة بمحذوف فتعلق الظرف به في قولك : المال في الكيس، وتقديره : إلا المودة ثابتةً في القربى ومتمكنةً فيها.
وقال أبو البقاء : وقيل : متصل، أي لا أسألكم شيئاً إلا المودة.
قال شهاب الدين : وفي تأويله متصلاً بما ذكر نظر ؛ لمجيئه بشيء الذي هو عام، وما من استثناء منقطع إلا ويمكن تأويله بما ذكر، ألا ترى إلى قولك : ما جاءني أحدٌ إلا حمار، أنه يصح ما جاءني شيء إلا حماراً.
وقرأ زيد بن عليٍّ :" مودة " بدون ألفٍ ولامٍ.
فصل في الآية ثلاثة أقوال : الاول : قال الشَّعبيُّ : أكثر الناس علينا في هذه الآية فكتبنا إلى ابن عباس نسأله عن ذلك، فكتب أبن عباس أن رسول الله ـ ﷺ ـ كاتن وسط النسب من قريش ليس بطنٌ من بطونهم إلا قد ولده، وكان له فيهم قرابةٌ، فقال الله عز وجل ﴿قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً﴾ على ما أدعوكم إليه إلا أن تؤثروني لقرابتي أي تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة، والمعنى أنكم قومي وأحق من أجابني وأطاعني، فإذا قد أبيتم ذلك فاحفظوا حق
١٨٩
القربى وصلوا رحمي، ولا تؤذوني.
وإلى هذا ذهب مجاهد وقتادة وعكرمة ومقاتل والسدي والضَّحَّاك.
الثاني : روى الكلبي عن ابن عباس، قال : إن النبي ـ ﷺ ـ لما قدم المدينة كانت تَنُوبهُ نوائب وحقوق، وليس في يده سعةٌ لقالت (الأنصار) : إن هذا الرجل هداكم هو ابن أخيكم، وأجاركم من بلدكم، فاجمعةوا له طائفة من أموالكم، ففعلوا ثم أتوه بها، فردها عليهم ونزل قوله تعالى :﴿قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾ أي على الإيمان (إلا) أن لا تؤذوا أقاربي وعشيرتي، وتحفظوني فيهم، قاله سعيد بن جبير وعمرو بن شعيب.
الثالث : قال الحسن : معناه إلا أن تَوَدُّوا الله وتتقربوا إليه بالطاعة والعمل الصالح، ورواه ابن أبي نُجَيْحٍ عن مجاهد.
فالقربى على القول الأول بالقرابة التي بمعنى الرَّحِم، وعلى الثاني بمعنى الأقارب، وعلى الثالث فُعْلَى من القُرْبِ والتَّقْرِيب.
فإن قيل : طلب الأجر على تبليغ الوحي لا يجوز لوجوه : أحدها : أنه تعالى حكى عن أكثر الأنبياء التصريح بنفي طلب الأجر، فقال في قصة نوح ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ ﴿وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ [الشعرا : ١٠٩]..
الآية وكذا في قصة هود وصالح ولوط وشعيب ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ ورسلونا أفضل الأنبياء فَبِأَنْ لا يطلب الأجر على النبوة والرسالة أولى.
وثانيها : أنه ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ صرَّح بنفي طلب الأجر فقال :﴿قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَآ أَنَآ مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ﴾ [ص : ٨٦] وقال :﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ﴾ [سبأ : ٤٧]..
الآية وطلب الأجر على أداء الواجب لا يليق بأقل الناس فضلاً عن أعلم العلماء.
ورابعها : أن النبوة أفضل من الحممة، وقد قال تعالى :﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾ [البقرة : ٢٦٩] ووصف الدينا بأنها متاع قليل فقال :﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾ [النسا : ٧٧] فكيف يحين بالعاقل مقابلة أشرف الأنبيثاء بأخس الأشياء ؟ !
١٩٠
وخامسها : أن طلب الأجر يوجب التهمة، وذلك ينافي القطع بصحة النبوة.
فثبت بهذه الوجوه أنه لا يجوز من النبي ـ ﷺ ـ أن يطلب أجراً ألبتة على التبليغ والرسالة، وهاهنا قد ذكر ما يجري مَجْرَى طلب الأجر وهو المودة في القربى (هذا تقرير السؤال).
فالجواب : أنه لا نزاع في أنه لا يجوز طلب الأجر على التبليغ، وأما قوله : إلا المودة في القربى فالجواب عنه من وجهين : الأول : أنه هذا من باب قوله : ٤٣٨٠ـ وَلاَ عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ
بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الكَتَائِبِ
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ١٨١