يعني أنا لا أطلب منكم إلا هذا.
وهذا في الحقيقة ليس أجراً ؛ لأن حصول المودة بين المسلمين أمر واجب، قال تعالى : وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ[التوبة : ٧١]، وقال ـ، عليه الصَّلاة والسَّلام ـ :" المُؤْمِنُونَ كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً " والآيات الأخبار في هذا كثيرة.
وإذا كان حصول المودة بين المسلمين واجب فحصولها في احق أششرف المسلمِين أولى، فقوله :﴿إلا المودة في القربى﴾ تقديره والمودة ف يالقربى ليست أجراً، فرَجَعَ الحاصل إلى أنه لا أجر ألبتة.
الثاني : إن هذا استثناء منقطع، وتم الكلام عند قوله :﴿لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً﴾ ثم قال :﴿إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾ أي أذكركم قرابتي منكم فكأنه في اللفظ أجر وليس بأجر.
فصل اختلفوا في قرابته، فقيل : هم فاطمة وعلى وأبناؤهما، وفيهم نزل :﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ [الأحزاب : ٣٣].
وروى زيد بن أرقم عن النبي ـ ﷺ ـ أنه قال :" إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كتابَ اللهِ تَعَالَى وَأَهْلَ بَيْتِي وَأُذَكِّرُكُم الله في أَهْلِ بَيْتِي " قيل لزيد بن أرقم : فمن أهل بيته ؟
١٩١
فقال : هم آلُ عليِّ وآل عَقِيل وآل جعفر، وآل عباس ـ رضي الله عنهم ـ وروى ابن عمر عن ابن بكر ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال : أرقبوا محمداً ـ ﷺ ـ في أهل بيته.
وقيل : هم الذي تحرم عليه الصدقة من أقاربه ويقسم فيه الخًمسُ هم بنو هاشم، وبنوا المطلب الذين لم يتفرقوا بجاهلية ولا إسلام.
وقيل : هذه الآية منسوخة، وإليه ذهب الضحاك بن مُزاحم والحسين بن الفضل.
قال البغوي وهذا قول (غير) مرضٍ ؛ لأن مودة النبي ـ ﷺ ـ وكف الأذى عنه ومودة أقاربه والتقرب إلى الله تعالى بالطاعة والعمل الصالح من فرائض الدين.
قوله تعالى :﴿وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً﴾ أي من يكتسب طاعة ﴿نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً﴾ العامة على " نَزد " بالنون، وزيد بن علي وعبدُ الوارث عن أبي عمرو ـ يَزِدْ ـ بالياء من تحت ـ، أي يزِد الله.
والعامة " حُسْناً " بالتنوين مصدراً على " فُعْلٍ " نحو : شُكر وهو مفعول به، وعبد الوارث ـ عن أبي عمرو ـ حُسْنَى بألف التأنيث على وزن بُشْرَى، ورُجْعَى، وهنو مفعول به أيضاً.
ويجوز أن يكون صفة كفُضْلَى، فيكون وصفاً لمحذوف أي خصْلَةً حُسْنَى.
قيل : نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق ـ رضي الله تعالى عنه ـ والظاهر العموم في أي حسنة كانت، إلا أنها لما ذكرت عقيب المودة في القُرْبَى دل ذلك على أن المقصود التأكيد في تلك المودَّةِ.
ثُمَّ قال سبحانه وتعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ : للقليل (حتى يضاعفها) والشكر في حق الله تعالى مجاز، والمعنى أنه تعالى يُحْسِنُ للمطيعين في إيصال الثواب إليهم، وفي أن يزيدَ عليهم أنواعاً كثيرةً من التفضل.
قوله :﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً﴾ اعلم أن الكلام ابتداء من أول هذه السورة في تقرير أن هذا الكتاب إنما حصل بِوَحْي الله تعالى، قال تعالى :﴿كَذَلِكَ يُوحِى إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ﴾ [الشورى : ٣] واتصال الكلام في تقرير هذا المعنى وتعلق بعضه ببعض (حتى وصل) إلى هاهنا، ـ ثم حكى هاهنا، شبهة القوم وهي قولهم : إن هذا ليس وحياً من الله تعالى فقال :﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً﴾.
قال الزمخشري :" أم " منقطعة ومعنى الهمزة للتوبيخ والمعنى : أيقع في قلوبهم ويجري على ألسنتهم أن ينسبوا مثله على الافتراء على الله سبحانه وتعالى الذي هو أقبح الأنواع وأفحشها، ثم أجاب عنه بأن قال :
١٩٢