روي : أن النبي ـ ﷺ ـ استنشد (بـ) قصيدتها هذه، فلما وصل (الراوي) (إلى) هذا البيت قال : قَاتَلَهَا اللهُ مَا رَضِيَتْ تَشْبِيهَهُ بالجَبَلِ حَتَّى جَعَلتْ في رَأْسِهِ نَاراً.
وقال مجاهد : الأعلام القصور، واحدها علم.
وقال الخليل بن أحمد : كل شيءٍ مرتفع عند العرب فهو علم وسمع : هذه الجوار، وركبت الجوار، وفي الجوار، بالإعراب على الراء تناسياً للمحذوف، وتقدم هذا في قوله تعالى :﴿وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ [الأعراف : ٤١].

فصل اعلم أن المقصود من ذكر هذه الآية أمران : أحدهما : أن يستدل به على وجود الإله القادر الحكيم.


الثاني : أن يعرف ما فيه من النِّعم العظيمة لله تعالى على العباد، وأما وجه الأول فإن هذه السفن العظيمة التي كالجبال تجري على وجه البحر عد هبوب الريح على أسرع الوجوه وعنند سكون الرياح (تقف) وقد تقدم في سورة النحل أن مُحَرِّك الرياح و مُسَكِّنَها هو الله (سبحانه و) تعالى ؛ إذْ لا يقدر أحد من البشر على تحريكها ولا على تسكينها، وذلك يدل وجود الإله القادر مع أن تلك السفينة في غاية الثقل ومع ثقلها بقيت على وجه الماء أيضاً.
وأما دلالتها على النعم العظيمة، وهو مافيها من المنافع فإنه تعالى خص كل جانب من الأرض بنوع من الأمتعة، فإذا نقل متاع هذا الجانب إلى الجانب الآخر في السفن وبالعكس حصلت المنافع العظيمة بالتجارة، فلهذه الأسباب ذكر الله تعالى حال هذه السفن.
قوله :﴿إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ﴾ التي تجري بها ﴿فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ﴾ قرأ أبو عمرو والجمهور بهمزة :" إنْ يَشَأْ " لأن السكون علامة الجزم، وورشٌ عن نافع بلا همز وقرأ ناقع " يُسْكِنِ الرِّيَاحَ " على الجمع والباقون " الريحَ " على التوحيد.
وقوله :" فَيَظْللْنَ " العامة على فتح اللام التي هي عين الكملة وهو القياس ؛ لأن
٢٠٣
الماضي بكسرها، تقول ظَلِلْتُ قائماً.
وقرأ قتادة بكسرها وهو شاذ، نحو : حسب يحسب وأخواته وقد تقدمت آخر البقرة.
وقال الزمخشري : قرىء بفتح اللام وكسرها من ظَلَّ يظل ويظل، نحو : ظَلّْ يَضَلَ ويَضِلُّ.
قال أبو حيان : وليس كما ذكر ؛ لأن يضَلُّ بفتح العين من ظَلِلْت بكسرها في الماضي ويَضِلّ بالكسر من ضَلَلْتُ بالفتح وكلاهما مقيس يعني أن كلاً منهما له أصلٌ يرجع إليه بخلاف " ظَلَّ " فإن ماضيه مكسور العين فقط.
والنون أسمها، و " رَوَالكِدَ " خبرها ويجوز : أن يكون " ظل " هنا بمعنى صار ؛ لأن المعنى ليس على وقت الظلول، وهو النهار فقط وهو نظير : أين باتت يده، من هذه الحيثية.
والرُّكود والثُّبُوتُ الاستقرارُ قال : ٤٣٨٤ـ وَقَدْ رَكَدَتْ وَسْطَ السَّمَاءِ نُجُومُهَا
رُكُوداً بِوَادِي الرَّبْرَب المُتَفَرِّقِ
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٢٠٢
والمعنى فيظللن رواكد أي ثوابت على ظهر البحر، لا تجري ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ﴾ على بلا الله " شَكُورٍ " على نعمائه.
قوله : أوْ يُوبِقْهُنَّ " عطف على " يُسْكِنْ " قال الزمخشري : لأن المعنى : إن يَشَأْ يُسْكِنْ فَيَرْكُدْنَ، أو يَعْصِفْهَا فَيَغْرقْنَ بِعَصْفِهَا، قال أبو حيان : ولا يتعين أن يكون التقدير : أو يعصفها فيغرقن لأن إهلاك السفن لا يتعين أن يكون بعصف الريح، بل قد يهلكها بقلع لوح أو خسفٍ.
قال شهاب الدين : والزَّمخشريُّ لم يذكر أن ذلك متعين، وإنما ذكر شيئاً مناسباً ؛ لأن قوله : يسكن الرياح يقابله " يعصفها " فهو في غاية الحسن والطِّباق.
٢٠٤
فصل معنى " يُبِقْهُنَّ " يُهْلِكْهُنَّ ويغرقهن " بِمَا كَسَبُوا " أي بما كسبت ركابها من الذنوب ﴿وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ﴾ من ذنوبهم فلا يعاقب عليها.
يقال : أوْبَقَهُ أي أهلكه، كما يقال للمجرم : أوْبَقَتْهُ ذنوبه أي أهلكته.
فإن قيل : ما معنى إدخال العفو في حكم الإيباق حيث جعل مجزوماً مثله ؟ فالجواب : معناه إن يشأ يهلك ناساً ينج ناساً على طريق العفو عنهم، وأما من قرأ " ويعفو " فقد استأنف الكلام ؟ والعامة على الجزم عطفاً على جواب الشرط.
واستشكله القشيريُّ، وقال : لأن المعنى إن يشأ يسكن الريح فتبقى تلك السفن رواكداً ويهلكها بذنوب أهلها، فلا يحسن عطف :" وَيَعْفُ " على هذا لأن المعنى يصير : إن يشأ يعف، وليس المعنى على ذلك، بل المعنى الإخبار عن العفو من غير شرط المشيئة فهو عطف على المجزوم من حيث اللفظ لا من حيث المعنى.
قال أبو حيان : وما قاله ليس يجيّد، إذ لم يفهم مدلول التركيب والمعنى إلا أنه تعالى إن يشأ أهلك ناساً وأنجى ناساً على طريق العفو عنهم.
وقرأ الأعمش : ويعفو بالواو.
وهي تحتمل أن تكومن كالمجزوم، وثبتت الواو في الجزم كثبوت الياء في " مَنْ يَتَّقِي وَيَصْبِرْ ".
ويحتمل أن يكون الفعل مرفوعاً، أخبر الله تعالى أنه يعفو عن كثير من السَّيِّئات.
وقرأ بعض أهل المدينة بالنصب بإضمار " أنْ " بعد الواو كنصبه في قول النابعة : شعراً : ٤٣٨٥ـ فَإنْ يَهْلِكْ أَبُو قَابُوسَ يَهْلِكْ


الصفحة التالية
Icon