رَبِيعُ النَّاسِ والبَلَدُ الحَرَامُ
وَنَأْخُذُ بَعْدَهُ بذنابِ عَيْشٍ
أَجَبَّ الظَّهْرِ لَيْسَ لَهُ سَنَامُ
٢٠٥
بنصب ونأخذ ورفعه وجزمه، وهذا كما ترى بالأوجه الثلاثة بعد الفاء في قوله تعالى :﴿فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ﴾ [البقرة : ٢٨٤] كما تقدم آخر البقرة ويكون قد عطف هذا المصدر المؤول من " أَنْ " المضمرة والفعل على مصدر متوهَّم من الفعل قبله تقديره : أو يقع إيباقٌ، وعفوٌ عن كثيرٍ.
فقراءة النصب كقراءة الجزم في المعنى إلا أن في هذه عطف مصدر مؤول على مصدر متوهم وفي تيك عطفُ فعل على مثله.
قوله تعالى :﴿وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِى آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ﴾ قرأ نافع وابن عامر برفعه والباقون بنصبه.
وقرىء : بجزمه أيضاً.
فأما الرفع فواضح جداً، وهو يحتمل وجهين : الاستنئاف بجملة اسمية، فتقدر الفعل مبتدأ أي وهو يعلم الذين و " الذين " على الأول فاعل، وعلى الثاني مفعول.
وأما قراءة النصب ففيها أوجه :" أحدها : قال الزجاج : على الصرف قال : ومعنى الصرف صرف العطف عن اللفظ إلى العطف على المعنى قال : وذلك أنه لم يحسن عطف " ويعلم " مجزوماً على ما قبله ؛ إذ يكون المعنى إن يشأ يعلم عدل إلى العطف على مصدر الفعل الذي قبله، ولا يتأتى ذلك إلا بإضمار " أن " ليكون من الفعل في تأويل اسم.
وقال البغوي : قرىء بالنصب على الصَّرف والجزم إذا صرف عنه معطوفه نصب كقوله :﴿وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران : ١٤٢] نقل من حال الجزم إلى النصب استخفافاً وكراهية توالي الجزم.
الثاني : قول الكوفيون : إنه منصوب بواو الصرف يعنون أن الواو نفسها هي الناصبة، لا بإضمار " أنْ " وتقدم معنى الصَّرف.
٢٠٦
الثالث : قال الفارسي ـ ونقله الزمخشري عن الزجاج ـ إن النصب على إضمار " إنْ " ؛ لأن قبلها جزاءً تقول : ما تصنع أصنع، وأكرمك وإن شئت : وأكرمك على : وأنا أكرمك، وإن شئت : وأكرمك جزماً.
قال الزمخشري : وفيه نظر ؛ لما أورده سيبويه في كتابه قال : واعلم أنَّ النَّصب بالواو والفاء في قوله : إن تَأْتِنِي آتِكَ، وأُعطِيكَ ضعيفٌ، وهو نحو من قوله : ٤٣٨٦ـ......................
وَأَلْحَقَ بِالحِجَازِ فَأَسْتَرِيحَا
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٢٠٢
فهذا (لا) يجوز، لأنه ليس بحَدِّ الكلام ولا وجه، إلا أنه في الجزاء صار أقوى قليلاً ؛ لأنه ليس بواجب أنه يفعل إلا أن يكون من الأول فعل، فلما ضارع الذي لا يوجبه كالا ستفهام ونحوه أجازوا فيه هذا على ضعفه.
قال الزمخشري : ولا يجوز أن تحصل القراءة المستفيضة على وجةٍ ليس بحدِّ الكلام ولا وجهه، ولو ك انت من هذا الباب لما أخلى سيبويه منها كتابه.
وقد ذكر نظائرها من الآيات المشكلة.
الرابع : أن ينتصب عطفاً على تعليل محذوف تقديره : لينتقم منهم ويعلم الذين ونحوه في العطف على التعليل المحذوف غير عزيز في القرآن ومنه :﴿وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ﴾ [مريم : ٢١] ﴿وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى ﴾ [الجاثية : ٢٢] قاله الزمخشري.
قال أبو حيان : ويبعد تقديره : لينتقم منهم لأنه مرتب على الشرط إهلاك قوم ونجاة قوم فلا يحسن " لينتقم منهم " وأما الآتيان فيمكن أن تكونت اللام متعلقةً بفعل محذوف تقديره " وَلِنجْعَلَهُ آيَةً فَعَلنَ ذلك، ولتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ فَعَلْنَا ذَلِكَ " وهو كثيراً (ما) يقدر هذا الفعل مع هذه اللام إذا لم يكن فعل يتعلق به.
وقال شهاب الدين : بل يحسن تقدير : لينتقم ؛ لأنه يعود في المعنى على إهلاك قوم المترتب على الشرط.
وأما الجزم فقال الزمخشري :
٢٠٧
فإن قلت كيف يصح المعنى على جزم " وَيَعْلَمْ " ؟ ! قلت : كأنه قيل : أو إن يشأ يجمع بين ثلاثة أمور إهلاك قوم ونجاة قوم وتحذير آخرين.
وإذا قرىء بالجزم فيكسر الميم لالتقاء الساكنين.
وقوله :﴿مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ﴾ في محل نصب، بسدها مسدَّ مفعولي العلم.
فصل المعنى وليعلم الذين يجادلون أي يكذبون بالقرآن إذا صاروا إلى الله عزّ وجلّ ـ بعد البعث لا مهرب لهم من عذاب الله، كما أنه لا مخلص لهم إذا وُقصت السفن وإذا عصفت الرياح، ويكون ذلك سبباً لا عترافهم بأن الإله النافع الضار ليس إلا الله.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٢٠٢