قلبه منازعة.
ثم قال :" وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ " أي الواجبة لأن هذا هو الشرط في حصول الثواب.
قوله :﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ أي يتشاورون فيما يبدوا لهم ولا يجعلون.
والشُّورَى مصدر كالفتيا بمعنى التَّشاور.
﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾.
قوله :﴿وَالَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ﴾ أي الظلم والعدوان " هُمْ يَنْتَصِرُونَ " أي ينتقمون من ظالمهم من غير أن يعتدوا.
قال ابن زيد : جعل الله المؤمنين صنفين : صنف يعفون عن ظالمهم فبدأ بذكرهم وهو قوله :﴿وإذا ما غضبوا هم يغفرون﴾ وصنف ينتصرون نم ظالهم وهم المذكورون في هذه الآية كانوا يكرهون أن يستذلوا، فإذا قدروا عفوا.
وقال عطاء : هم المؤمنون الذي أخرجهم الكفار من مكة وبغوا عليهم، ثم مكنهم الله في الأرض حتى انتصروا ممن ظلمهم.
وعن النَّخعيِّ أنه كان إذا قرأها قال : كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فيجترىء عليهم السفهاء.
فإن قيل : هذه الآية مشكلة لوجهين : الأول : أنه لما ذكر قبله : وإذا ما غضبوا هم يغفرون كيف يليق أن يذكر معه ما يَجْرِي مَجْرَى الضد له وهم الذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ؟ ! الثاني : أن جميع الآيات دالة على أن العفوا أحسن.
قال تعالى :﴿وَأَن تَعْفُوا ااْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [البقرة : ٢٣٧] وقال :﴿وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً﴾ [الفرقان : ٧٢] وقال ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف : ١٩٩] وقال :﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ﴾ [النحل : ١٢٦] ؟ فالجواب : أن العفو على قسمين : أحدهما : أن يصير العفو سبباً لتسكين الفتنة ورجوع الجاني عنه جنايته.
والثاني : أن يصير العفو سبباً لمزيد جرأة الجاني وقوة غيظه، فآيات العفو محمولة على القسم الأول، وهذه الآية محمولة على القسم الثاني وحينئذ يزول التناقض.
" روي : أن زَيْنَبَ أقبلت على عائشة تشتمها فنهاها النبي ـ ﷺ عنها فلم تنته فقال النبي ـ ﷺ ـ :" دونَكِ فَانْتَصِرِي " وأيضاً فإنه تعالى لم يرغِّب في الانتصار، بل بين أنه مشروع فقط، ثم بين أن مشروعيته مشروطة برعاية المماثلة فقال :﴿وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ
٢١١
مِّثْلُهَا﴾ ثم بين أن العفو أولى بقوله :﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ فزال السؤال.
قوله :" هُمْ يَنْتَصِرُونَ " إعرابه كإعراب :﴿وإذا ما غضبوا هم يغفرون﴾ ففيه ما تقدم، إلا أنه يزيد هنا أنه يجوز أن يكون " هُمْ " توكيداً للضمير المنصوب في " أصَابَهُمْ " أكد بالضمير المرفوع وليس فيه إلا الفصل بين المؤكد والمؤكد، والظاهر أنه غير ممنوعٍ.
قوله تعالى :﴿وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا...
﴾ الآية لما قال :﴿والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون﴾ بين بعده أن ذلك الانتصار يجب أن يكون مقيداً بالمثل، فإن العدل هو المساواة، وسمي الجزاء سيئة وإن كان مشروط مأذوناً فيه قال الزمخشري : كلتا الفعلتين : الأولى : وجزاؤها سيئة ؛ لأنها تسوء من تنزل به، قال تعالى :﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـاذِهِ مِنْ عِندِكَ﴾ [النساء : ٧٨] يريد : ما يسوءهم من المصائب والبلاء.
وأجاب غيره بأ، ه لما جعل أحدهما في مقابلة الآخر أطلق اسم أحدهما على الآخر مجازاً والأول أظهر.
وقال آخرون : إنما سمي الجزاء سيئة وإن لم يكن سيئةً لتشابههما في الصُّورة.
فصل قال مقاتل : يعني القصاص في الجراحاتن والدماء.
وقال مجاهد والسدي : هو جواب القبيح إذا قال : أخزاك الله تقول : أخزاك الله وإذا شتمك فاشتمه بمثلها من غير أن تعتدي.
قال سفيان بين عيينة : قلت لسفيان الثوريِّ : ما قوله عز وجل : وجزاء سيئة سيئة مثلها ؟ قال : أن يشتمك رجلٌ فتشتمه أو يفعل بك فتفعل به فلم أجد عنده شيئاً، فسألت هشام بن حجيرٍ عن هذه الآية فقال : الجارح إذا جرح يقتص منه وليس هو أن يشتمك فتشتمه.
فصل دلت هذه الآية على أن المسلم لا يقتل بالذمِّيِّ وأن الحرَّ لا يقتل بالعبد ؛ لأن المماثلة شرط لجريان القصاص وهي مفقودة في المسألتين، وأيضاً فإن الحر إذا قتل العبد
٢١٢