يكون قد أتلف على مالك البعد شيئاً (فـ) ـيساوي عشرة دنانير مثلاً فوجب أن يلزمه أداء عشرة دنانير لهذه الآية وإذا وجب الضَّمان وجب أن لا يجب القصاص، لأنه لا قائل بالفرق، فوجب أن يجري القصاص بينهما.
والدليل على أن المماثلة شرط لوجوب القصاص هذه الآية، وقوله :﴿مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا﴾ [غافر : ٤٠] وقوله ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ [النحل : ١٢٦] وقوله تعالى :﴿وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾ [المائدة : ٤٥] وقوله تعالى :﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى﴾ [البقرة : ١٧٨].
والقصاص عبار عن المساواة والمماثلة فهذه النصوص تقتضي مقابلة الشيء بمثله.
ودلت الآية أيضاً على أن الأيدي تقطع باليد الواحدة ؛ لأن كل القطع أو بعضه صدر عن (كل) أولئك القاطعين أو عن بعضهم.
فوجب أن يشوع في حق أولئك القاطعين مثله بهذه النصوص.
فإن قيل : فيلزم استيفاء الزيادة من الجاني وهو ممنوع!.
فالجواب : أنه لما وقع التعارض بين جانب الجاني وبين جانب المجنيِّ عليه كان جانب المجني عليه بالرعاية أولى.
ودلت الآية أيضاً على مشروعية القصاص في حق شريك الأب لأنه صدر عنه الجرح فوجب أن يقابل بمثله.
ودلت الآية أيضاَ على أن من حرق حرقناه، ومن غرَّق غرقناه، وعلى أن شهود القصاص إذا رجعوا وقالوا : تعمدنا الكذب يلزمهم القصاص ؛ لأنهم بتلك الشهادة أهدروا دمه فوجب أن يهدر دمهم.
ودلت أيضاً على أن المكره يجب عليه القود، لأنه صدر منه القتل ظلماً فوجب مثله أما صدور القتل فالحسّ يدل عليه، وأما أنه قتل ظلماً فلإجماع المسلمين على أنه مكلف بأن لا يقتل فوجب أن يقابل بمثله ودلت أيضاً على أن منافع الغصب مضمونة، لأن الغاصب فوَّت على المالك منافع تقابل في العرف بدينار مثلاً فوجب أن يفوّت على الغاصب مثله من المال.
قوله :﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ﴾ بالعفو بينه وبنين ظالمه " فأمره على الله ".
قال الحسن رضي الله عنه ـ : إذا كان يوم القيامة نادة منادٍ : مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ الله أجْرٌ فَلْيَقُمْ، فَلاَ يَقُومُ إلاَّ مَنْ عَفَا.
ثم مقرأ هذه الآية ﴿إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾.
قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) : الذين يبدأون بالظلم، وفيه تنبيه على أن المجني عليه لا يجوز له الزيادة والتعدي في الاستيفاء خصوصاً في حال الحرب والتهاب الحمية فربما صار المظلوم عند الاستيفاء ظالماً.
٢١٣
وفيه دقيقة وهو أنه تعالى لما حث على العفو عن الظالم وأخبر أنه لا يحب الظالم وإذا كان لا يحبه وندب غيره إلى العفو عنه فالمؤمن الذي يحبه الله بسبب إيمانه أولى أن يعفو الله عنه.
قوله :" وَلَمَنِ انْتَصَرَ " هذه لام الابتداء، وجعلها الحوفي وابن عطية للقسم، وليس يجيد إذا جعلنا " مَنْ " شرطية كما سيأتي ؛ لأنه كان ينبغي أن يُجاب السابق، وهنا لم يجب إلا الشرط.
و " من " يجوز أن تكون شرطية وهو الظاهر، والفاء في " فَأُؤْلَئِكَ " جواب الشرط، وأن تكون موصولة ودخلت الفاء لشبه الموصول بالشرط.
و " ظُلْمِهِ " مصدر مضاف للمفعول وأيدها الزمخشري بقراءة من قرأ :" بعدما ظُلِمَ " مبنياً للمفعول.
فصل معنى الآية : ولمن انتصر بعد ظلم الظالم إياه فأولئك المنتصرين ما عليهم من سبيل لعقوبة ومؤاخذة، لأنهم ما فعلوا إلا ما أبيح لهم من الانتصار.
واحتجوا بهذه الآية على أن سراية القود مُهْدَرَةٌ لأنه فعل مأذون فيه مطلقاً فيدخل تحت هذه الآية.
قوله تعالى :﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ﴾ أي يبدأون بالظلم ﴿وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ يعملون فيها بالمعاصي ﴿أُوْلَـائِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٢٠٨
قوله :﴿وَلَمَن صَبَرَ﴾ الكلام في اللام كما تقدم : فإن جعلناها شريطة فإن جواب
٢١٤
القسم المقدر، وحذف الشرط للدلالة عليه، وإن كانت موصولة، كان قوله :" إنَّ ذَلِكَ " هو الخبر.
وجوز الحوفي وغيره أن تكون " مَنْ " شرطية و " إنَّ ذَلِكَ " جوابها على حذف الفاء على حدِّ حذفا في قوله : ٤٣٧٨ـ مَنْ يَفْعَل الحَسَنَات...
......................


الصفحة التالية
Icon