وفي الرابط قولان : أحدهما : هو اسم الإشارة، إذا أريد به المبتدأ، ويكون حينئذ على حذف مضاف تقديره :﴿إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾.
والثاني : أنه ضمير محذوف تقديره لمن عزم الأمور " منه أو له ".
وقوله :﴿وَلَمَن صَبَرَ﴾ عطف على قوله :" ولمن انْتَصَرَ " والجملة من قوله :" إنَّما السَّبِيلُ " اعتراض.

فصل المعنى لمن صبر وغفر فلم يقتص وتجاوز، إن ذلك الصبر والتجاوز من عزم الأمور حقها وحزمها.


قال مقاتل : من الأمور التي أمر الله بها.
وقال الزجاج : الصابر يؤتى بصبره الثواب والرغبة في الثواب أتم عزماً.
قوله :﴿وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ﴾ أي فليس له ناصر يتولاه من بعد إضلال الله إياه، وليس له من يمنعه من عذاب الله، وهذا صريح في جواز أن الإضلال من الله وأن الهداية ليست في مقدور أحد سوى الله.
قال القاضي : المراد : ومن يضلل الله عن الجنة لجنايته فما له من ولي من بعده ينصره.
وأجيب بأن تقييد الإضلال بهذه الصور المعينة خلاف الدليل، وأيضاً فالله تعالى ما أضله عن الجنة في قولكم بل هو أضل نفسه عن الجنة.
قوله :﴿وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ﴾ يوم القيامة ﴿يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ﴾ أي يطلبون الرجوع إلى الدنيا لعظم ما شاهدوا من العذاب.
ثم ذكر حالهم عند عرض النار.
قوله :" يُعْرَضُونَ " حال، لأن الرؤية بصرية، و " خَاشِعِينَ " حال والضمير في " عَلَيْهَا " يعود على النار لدلالة العذاب عليها.
٢١٥
وقرأ طلحة : من الذِّلِّ ـ بكسر الذال ـ وقد تقدم الفرق بين الذَّل والذِّل و " مِنْ الذُّلِّ " يتعلق بخاشعين ِأي من أجل.
وقيل : هو متعلق بينظرون.
وقوله :" مِنْ طَرَفٍ " يجوز في " مِنْ " أن تكون لاتبداء الغاية، وأن تكون تبعيضية وأن تكون بمعنى الباء، والظرف قيل : يراد به العضو وقيل : يراد به المصدر يقال : طرفت عينه تطرف طرفاً أي ينظرون نظراً خفيًّا.
فصل اعلم أنه ذكر حالهم عند عرضهم على النار، فقال : خاشعين أي خاضعين حقيرين بسبب ما لحقهم من الذل يسارقون النظر إلى النر خوفاً منها وذلة في أنفسهم، كما ينظر المقتول إلى السيف فلا يقدر أن يملأ عينيه منه، ولا يفتح عينه إنما ينظر ببعضها، وإذا كانت من بمعنى الباء أي بطرف خفي ضعيف من الذل.
فإن قيل : إنه قال في صفة الكفار : إنهم يحشرون عمياً فكيف قال هاهنا إنهم ينظرون من طرفٍ خفي ؟ ! فالجواب : لعلهم يكونون في الابتداء هاهنا ثم يصيرون عمياً، أو لعل هذا في قوم وذاك في قوم آخرين.
وقيل : معنى ينظرون من طرفٍ خفيٍّ أي ينظرون إلى النار بقلوبهم لأنهم يحشرون عمياً والنظر بالقلب خفيّ.
ولما وصف الله تعالى حال الكفار حكى ما يقوله المؤمنون فيهم فقال :﴿وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا ااْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا ااْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ وقيل : خسروا أنفسهم بأن صاروا إلى النار وأهليهم بأن صاروا لغيرهم إلى الجنة.
وهذا القول يحتمل أن يكون واقعاً في الدنيا، وإما أن يقولوه يوم القيامة إذا رأوهم على تلك الصفة، ثم قال :﴿أَلاَ إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ﴾ أي دائم.
قال القاضي : هذا يدل على أن الكافر والفاسق يدوم عذابهما والجواب : أنّ لفظ الظالم المطلق في القرآن مخصوص بالكافر قال تعالى :﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة : ٢٥٤] والذي يؤكد هذا قوله تعالى بعد هذه الآية :﴿وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ﴾ والمعنى أن الأصنام التي كانوا يعبدونها لتشفع لهم عند الله تعالى ما أتوا بتلك الشفاعة وهذا لا يليق إلا بالكافر.
٢١٦


الصفحة التالية
Icon