الله ؟ قال : العبدُ إذا قال لا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي، إنه لا يفغر الذنوب إلا أنت بعلم أنه لا يغفر الذنوب إلا هُوَ ".
فصل دلت هذه الآية على خلاف قول المُجَبِّرة من وجوه : الأول : أنه تعالى قال :" لِتَسْتَوُوا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتكم عليه " فذكره بلام " كَيْ " وهذا يدل على أنه أراد منا هذا الفعل وهذا يدل على بطلان قولهم : إنه تعالى أراد الكفر منه.
الثاني : قوله " لتستوو " يدل على أن فعله معلّل بالأغراض.
الثالث : أنه تعالى بين أن خلق هذه الحيوانات على هذه الطبائع إنما كان لغرض أن يصدر الشكر عن العبد ولو كان فعل العبد فعلاً لله لكان معنى الآية إني خلقت هذه الحيوانات على هذه الطبائع لأجل أن أَخْلُقَ سُبْحَانَ الله في لسان العبد.
وهذا باطل ؛ لأنه تعالى قادر على أن يخلق هذا اللفظ في لسانه بدون هذه الوَسَائِطِ.
قال ابن الخطيب :" الكلام على هذه الوجوه معلوم مما تقدم فلا فائدة في الإعادة ".
قوله :﴿وَإِنَّآ إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾ أي لمُصَيَّرُونَّ في المعاد.
ووجه اتصال الكلام بما قبله أن راكب الفلك في خطر الهلاك وراكب الدابة كذلك أيضاً ؛ لأن الدابة قد حصل لها ما يوجب هلاك الراكب، وكذا السفينة قد تنكسر، ففي ركوبهما تعريض النفس للهَلاَك فوجب على الراكب أن يتذكر أمر الموت، ويقطع أنه هالك، وأنه منقلب إلى الله، وغير منقلب من قَضَائِهِ وقدره، فإذا اتفق له ذلك (المحذور) كان قد وطن نَفْسَهُ على الموت.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٢٣٣
قوله :" جُزْءاً " قرأ عاصم ـ في رواية أبِي بَكْرٍ ـ جزءاً ـ بضم الجيم والزَّاي، في كل القرآن، والباقون بإسكان الزاي في كُلِّ القرآن.
وهما لغتان.
وأما حمزة فإذا وقف قال : جُزَا ـ بفتح الزاي بلا همزٍ.
و " جزءاً " مفعول أول للجعل والجعل تَصْيِيرٌ قولي.
ويجوز أن يكون بمعنى سَمَّوْا واعْتَقَدُوا.
وأغربُ ما قيل هنا : أن الجزء الأنثى، وأنشدوا : ٤٣٩٦ـ إنْ أَجْزَأَتْ حُرَّةٌ يَومْاً فَلاَ عَجَبٌ
قَدْ تُجْزِىءُ الحُرَّةُ المِذْكَارُ أَحْيَانَا
وقال الآخر : ٤٣٩٧ـ زَوَّجْتُهُ مِنْ بَنَاتِ الأَوْسِ مُجْزِئَةً
لِلْعَوْسجِ اللَّدْنِ في أَبْيَاتِهَا زَجَلُ
قال الزمخشري : أثر الصنعة فيهما ظاهر.
وقال الزَّجَّاجُ والأَزْهَرِيُّ : هذه اللغة فاسدة، وهذه الآبيات مصنوعة.
٢٤٠
فصل المشهور أن المراد من هذا الجعل أنهم أثبتوا لله وَلَداً بمعنى حكموا به، كما تقول : جَعَلْتُ زيداً أفضلَ الناس أي وصَفْتُهُ وحكمتم به، وذلك قولهم : المَلاَئكةُ بناتُ الله ؛ لأن ولد الرجل جزء منه، قال ـ عليه الصلاة والسلام، " فَاطِمَةُ بضْعَةٌ منِّي ".
والمعقول من الولد أن ينفصل من الوالد جزء من أجزائه ثم يتربى ذلك الجزء ويتولد منه شخص مثلك ذلك الأصل، وإذا كان كذلك فولد الرجل جزء منه.
وقيل : المراد بالجزء إثبات الشركاء لله، وذلك أنهم لما أثبتوا الشركاء فقد زعموا أن كل العباد ليست لله، بل بعضها لله، وبضعها لغير الله، فهم ما جعلوا لله من عباده كلهم، بل جعلوا له من بعضهم جزءاً منهم.
قالوا : وهذا القول أولى، لأنا إذا حملنا هذه الآية على إنكار الشريك لله وحملنا الآية التي بعدها على إنكار الولد لله كانت الآية جامعة للرد على جميع المبطلين، ثم قال :" إنَّ الإنسْسَانَ لَكَفُور " يعني الكافر لكفور جحود لنعم الله " مُبين " ظاهر الكفر.
قوله :﴿أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ﴾ هذا استفهام توبيخ وإنكار، يقول اتخذ رَبُّكُمْ لِنَفْسِهِ البَنَاتِ و " أصْفَاكُمْ " أخلَصكم بالبَنين يقال : أصْفَيْتُ فُلاَناً أي آثَرْتُهُ به إيثَاراً حصل له على سبيل الصفاء من غير أن يكون فيه مشارك، كقوله :﴿أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ﴾ [الإسراء : ٤٠] فقوله :" وأصْفَاكُمْ " يجوز أن يكون داخلاً في حيز الإنكار معطوفاً على " اتَّخَذَ "، ويجوز أن يكون حالاً، أي أَمِ اتَّخَذَ ف يهذه الحالة.
و " قد " مقدرة عن الجُمْهُورِ.
فصل واعلم أن الله تعالى رَتَّبَ هذه المناظر على أحسن الوجوه، وذلك لأنه بين أن إثبات
٢٤١