الولد لله محال، وبتقدير أن ثبت الولد فجعله بنْتاً محالٌ أيضاً.
أما بيان أن إثباتَ الولد لله محال ؛ فلأن الوَلَدَ لا بدّ وأن يكون جُزْءاً من الوَالِدِ، ولَمَّا كان له جزء كان مركباً، وكل مركب ممكن وأيضاً ما كان كذلك، فإنه يقبل الاتِّصالَ والانْفِصَالَ والاجْتَمَاعَ والافْتِرَاقَ وما كان كذلك فهو مُحْدَث عبد، فلا يكون إلهاً قديماً أزليًّا.
وأما المقام الثاني وهو أن يكون لله ولد فإنه يمتنع أن يكون بنتاً، لأن الابن أفضلُ من البنت فلو اتخذ لنفسه النبات وأعطلى البنينَ لعباده لزم أن يكون حال العبد أفضل وأكمل من حال الله، وذلك مدفوع ببديهة العقل.
قوله :﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم﴾ تقدم نظيره.
قال الزمخشري :" وقرىء هنا : وزَجْهُهُ مُسْوَدٌّ مُسْوَادٌّ بالرفع على أنها جملة في موضع خبر " ظل "، واسم " ظل " ضمير الشأن ".
فصل والمعنى بما ضرب للرحمن مثلاً، أي جعل لله شبهاً ؛ لأنَّ كُلّ يُشْبِهُهُ، " ظَلَّ وَجْهُهُ " أي صار وجهه " مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ " من الحز والغيظ.
والمعنى أن الذي بلغ حاله في النقص إلى هذا الحد كيف يجوز للعاقل إثباته ؟ روي أن بعض العرب هجر بيته حين وضعت امرأته بِنْتاً فقالت المرأة : ٤٣٩٨ـ مَا لأَبِي حَمْزَةَ لاَ يَأتِينَا
يَظَلُّ فِي الَبْيتِ الَّذِي يَلِينَا
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٢٤٠
غَضْبَانَ أَن لا نَلِدَ البَنِينَا
لَيْسَ لَنَا مِنْ القَضَاءِ مَا شِينَا
وَإِنَّمَا نَأخُذُ مَا أُعْطِينَا
٢٤٢
قوله تعالى :﴿أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ...
يجوز في " مَنْ " وجهان : أحدهما : أن تكمون في محل نصب مفعولاً بفعل مقدر، أي : أَوَ تَجْعَلُونَ مَنْ يُنَشَّأُ فِي الحِلْيَةِ.
والثاني : أنه مبتدأ وخبره محذوف، تقديره أَوَ مَنْ يُنَشَّأُ جزءٌ أو وَلَدٌ، إذ جعلوا الله جُزْءاً.
وقال البغوي : يجوز مأن يكون في محل خفض ردًّا على قوله : مما يخلق، وقوله :" بِمَا ضَرَبَ ".
وقرأ العامة يَنْشَأُ ـ بفتح الياء وسكون النون ـ من نشأ في كذا يَنْشأُ فِيهِ.
والأَخَوَانِ وَحَفْصٌ بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين مبنياً للمفعول أي يُرَبَّى وقرأ الجَحْدَرِيُّ كذلك، إلا أنه خفف الشين أخذه من أَنْشَأَهُ.
والحسن : يُنَاشَأُ كيقاتل، مبنياً للمفعول.
والمفاعلة تأتي بمعنى الإفعال، كالمُعَالاَةِ بمعنى الإعْلاَءِ.
فصل المراد من هذا الكلام التنبيه على نُقْصَانِهَا والمعنى : أن الذي يتربى في الحِلية والزينة يكون ناقصَ الذات ؛ لأنه لولا نُقْصَانُهام في ذاتها لما احتاجت إلى تزيين نفسها بالحِلْية، ثم بين نُقْصَانَ حالها بطريق آخرٍ وهو قوله :﴿وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ الجملة حال.
و " في الخِصَامِ " يجوز أن يتعلق بمحذوف يدل عليه من بعده تقديره وهو لا يُبينُ في الخِصَام أي الحجة ويجوز أن يتعلق " بمُبِينٍ " وجاز للمضاف إليه أن يَعْمَلَ
٢٤٣
فيما قبل المضاف، لأنَّ غَيْر بمعنى " لا " كما تقدم تحقيقه آخر الفاتحة.

فصل المعنى وهو في المخاصمة غير مبين الحجة من ضعفهن وسَقَمَهِنّ.


قال قتادة في هذه الآية : كل ما تتكلم امرأة، فتريد أن تتكلم بحُجَّتِها إلا تكلمت بالحُجَّةِ عليها.
قوله :﴿وَجَعَلُواْ الْمَلاَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَـانِ إِنَاثاً﴾ جعلوا أي حكموا به.
وقرأ نافع وابن كثير وابن عام :" عِنْدَ الرَّحْمَن " ظرفاً ويؤيده قوله :﴿إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ﴾ [الأعراف : ٢٠٦] والباقون " عباد " جمع عَبْد والرسم يحتملها.
وقرأ الأعمش كذلك، إلا أنه نصب " عباد " على إضمار فِعْل، أي الذين هم خُلِقُوا عِبَاداً ونحوه وقرأ عبدالله وكذلك هي في مصحفه الملائكة عبادَ الرحمن وأبي عبدالرحمن بالإفراد، وإناثاً هو المفعول الثاني للجَعْلِ بمعنى الاعتقاد أو التصيير القولي.
وقرأ زَيْدُ بْنُ عِليّ : أُنُثاً جمعُ الجَمْعِ.
قوله :" أَشَهِدُوا " قرأ نافع بهمزة مفتوحة، ثم بأخرى مضمومة مُسَهَّلةٍ بينها وبين الواو وسكون الشين على ما لم يسمّ فاعله أي أحَضَرُوا خَلْقَهُمْ حين خلقوا، كقوله :﴿أَمْ خَلَقْنَا الْمَلاَئِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ﴾ [الصافات : ١٥٠].
وهذا استفهام على سبيل الإنكار.
وقرأ قالون ذلك بالمد يعني بإدخَتال ألِفٍ بين الهمزتين، والقصر يعني بعندم الألف.
الباقون بفتح الشين بعد همزة واحدة.
فنافع أدخل همزة للتوبيخ على " أَشَهِدُوا " فعلاً رباعياً مَبْنيًّا
٢٤٤


الصفحة التالية
Icon